مواهب وابداعات للأستاذ: مومني عبد العالي

مرحبا بجميع القراء الأوفياء

الاثنين، 1 نوفمبر 2010

بين تجريم الإستعمار وتمجيده

قالمة في 31 أكتوبر 2010 م

بين تجريم الإستعمار وتمجيده



الحديث عن الحرية والعبودية، والخير والشر، والفضيلة والرذيلة، والاحتلال والاستقلال مثله كمثل الحديث عن الجنة والنار في الدنيا قبل الآخرة، والعبرة ــ كما يقال ــ بخواتمها، لأن كل نفس بما كسبت رهينة: ــ إما الجنة ــ وإمّا النار. ومن هنا يمكن القول: إن من يمجد الاحتلال في هذا العصر كمن يمجد النار في الدنيا قبل الآخرة، ومن يجرم الإحتلال في هذا الدهر كمن يجرم النار في الدنيا قبل الآخرة لدخول الجنة. فهل يعقل للإنسان على وجه البسيطة أن يسوي بين الخير والشر، وبين الفضيلة والرذيلة، وبين الحق والباطل، ومن ثم بين الجنة والنار؟!! إن من يفعل ذلك ــ لا شك ــ أنه إنسان غير سويّ؛ لا يقدر عواقب ما يفعل ويقول، وهذا ما نلحظه جليّا في قانون تمجيد الاحتلال، صدر من دولة واحدة في العالم، وعبر التاريخ كله، والانسانية قاطبة، وهي فرنسا العجوز كما قال عنها شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكرياء!! فما هي الدوافع والأسباب يا ترى التي دفعت دولة مثل فرنسا إلى مثل هذا الفعل الذي لم تعرفه البشرية قاطبة من قبل،ولن تعرفه أمّة متحضرة على وجه الأرض إلى يوم الدين!! لماذا؟ لأنها ببساطة تشرّع إلى قانون جديد هو قانون الغاب، فيصبح بذلك القوي يفكر دائما في احتلال الضعيف تحت ذرائع شتى، وخاصة تصدير الحضارة والتطور والتقدم لهذه الأمّة أو تلك، فتتحول بذلك الحياة الإنسانية إلى حروب ومآسٍٍ لا تطاق، وأن كل شعب ضعيف يصبح يفكر إلا في الأنتقام من هذه الأمّة أو تلك التي احتلته في يوم من الأيام، وفي زمن من الأزمان، وعاثت في أرضه فسادًا وخرابًا ودمارًا، وتخلف وانحطاط في جميع مناحي الحياة، فهل يمكن أن نصدق ــ مثلا ــ مزاعم أمريكا وذرائعها لأحتلال العراق الشقيق؟!! وهل وجدوا فعلا أسلحة الدمار الشامل؟!! وهل ما قتل من مدنيين أبرياء بسبب الاحتلال ونتائجه، والفوضى الشيطانية ودوافعها ما قتل في عهد النظام السابق؟؟ ومن له الحق في هذا العالم تغيير الانظمة وتبديلها؟!! وهل تستطيع أمريكا أن تؤكد فعلا أن ما أقترفه النظام السابق فريد من نوعه عن كثير من دول المشرق العربي ومغربه؟! إن ما فعلته فرنسا الظالمة في الجزائر الأبية هو ما فعلته أمريكا في العراق الشقيق؛ مع فارق، كبير أو صغير، في العصر ومتطلباته، والعدوان وأساليبه، والدوافع وأسبابها ونحو ذلك،، فلا غرابة أن نسمع بعد عقود من الزمن من احتلال العراق أن نجد أمريكا الظالمة تصدر قانونا تمجد فيه احتلالها للعراق، وما قدمته من حرية التعبير، والديمقراطية، وخاصة ما قدمته في الفلوجة من حضارة، وسجن أبو غريب من عدالة ونحوهما.

فالجزائري القح يدرك تمام الادراك، الكبير والصغير، الرجل والمرأة، شيبٌ وشباب أن فرنسا لديها عقدة تجاه الجزائر الأبية، فكيف نشأت هذه العقدة؟ ولماذا؟ ذلك أن فرنسا ضحت بكل مستعمراتها السابقة، وخاصة السنغال وتونس والمغرب لتتفرغ لاحتلال الجزائر، وتبقى تابعة لها إلى الأبد بحكم موقعها من هذه الدول وغيرها، غير أن الرياح ــ في الغالب ــ تجري بما لا تشتهيه السفن كما يقال، فقد انتزعت الجزائر الأبية استقلالها من فرنسا الظالمة بعد كفاح مرير، والذي لم تعترف به فرنسا إلى الآن، ودفع الشعب الجزائري الأبي ثمنا باهضا لم يدفعه شعب على وجه الارض في القرن الماضي إلا الشعب الفتنامي، لذلك أصيبت فرنسا من ذلك اليوم بعقدة الجزائر الأبية، وأصيبت من ذلك الوقت بغصة لم تستطيع التخلص منها إلى اليوم !! لعل من يريح فرنسا من هذه العقدة هي أن تخرج لنا شركة عالمية تنشر أرشيف فرنسا في الجزائر مثلما تفعل مع العراق وأفغانستان ونحوهما ، فلا شك أن العالم سيعرف وجه فرنسا الحقيقي عداوة وقساوة تجاه الشعب الجزائري الأبي عبر تاريخه أكثر بكثير من أمريكا وإسرائيل ونحوهما، فكل الوثائق تحتفظ بها فرنسا إلى الآن، وخاصة السرية منها، ولا تدلنا على قبور رموز الثورة مثل قبر العربي بن امهيدي، والاديب أحمد رضا حوحو وهلم جرّا، فإذا أميط اللثام عن أرشيف فرنسا في الجزائر فستكون أبشع دولة وأمة على وجه الارض لجرائمها ودموتها، أما سجونها الرهيبة في الجزائر فحدث عنها ولا حرج، ناهيك عن النفي الجبري، وخاصة إلى جريدة كاليدونيا الجديدة!!

فعندما أختلطت المفاهيم والمصطلحات والتسميات في هذا القرن الجديد، اختلط كذلك الأمر على كثير من الساسة الفرنسيين، فلم يعد أحد منهم يفرق بين الخير والشر، وبين الفضيلة والرذيلة، وبين الحق والباطل، وبين الحرية والعبودية، وبين الجميل والقبيح، ومن هنا وجدنا بعضهم يقبح الجميل، ويجمل القبيح حتى قيل:تمجيد الاحتلال!! يا لها من عبارة قبيحة أقبح من ذنب!!

فهل بإمكان الفرنسي القح أن يمجد احتلال بلاده قديما وحديثا؟!! وهل باستطاعته أن يقرّ عن طريق القانون بفضل ألمانيا في التطور والتقدم لفرنسا في جميع مناحي الحياة؟!! أليس من حق ألمانيا الحديثة أن تعمل جاهدة إلى تمجيد احتلالها لفرنسا؟! ألم يكن هذا الاحتلال في الحرب العالمية الثانية سببا في تقدم فرنسا وتطورها في القرن الماضي بعد الحرب العالمية الثانية؟! والدليل على ذلك، أنظر ــ مثلا ــ كيف كانت صناعة فرنسا قبل احتلال ألمانيا لها، وكيف أصبحت بعد ذلك، وخاصة الصناعة الحربية؟! أليست هذه حجة دامغة على زعم فرنسا؟!

أليس من حق ألمانيا أن تعتز وتفتخر لاحتلالها فرنسا العجوز إن أصبح صباحا أو أمسى مساءً؟! ألم تكن بذلك ألمانيا قاطرة فرنسا نحو الرقي والازدهار والتطور والتقدم في كل مناحي الحياة في العصر الحديث؟! ألم يكن هذا الاحتلال الالماني سببا في كل ما وصلت إليه فرنسا من الناحية العلمية والصناعية؟! لِمَ لَمْ تقر فرنسا العجوز بهذه الحقيقة الساطعة سطوع الشمس في النهار؟! هل ما ينسحب على الجزائر الأبية لا ينسحب على فرنسا العجوز ؟! إنه الكيل بمكيالين كما يقال في عصرنا هذا، في وقتنا هذا!! فالانسان العاقل السويّ يرى في كل وقت الظلم ظلمات، وأن الحرية مطلب كل الشعوب والأمم على وجه الأرض ، وهي تفتك مثلما افتكها الشعب الجزائري الأبي، ولا تمنح مجانا، هذه الحرية التي قال عنها أحمد شوقي:

وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدقّ

وقال عنترة بن شداد العبسي:

وإذا حُملت على الكريهة لم أقل بعد الكريهة ليتني لم أفعل

فالإنسان أصبح عند الغرب، عموما وفرنسا خصوصا، رخيصا رخصًا لا يطاق، فشعار ( الدفاع عن النفس ) مثلا: أصبح عندهم لا قيمة ولا معنى أو محتوى له، حيث يخيل إليك أنك في قلب أمريكا، أو بريطانيا، أو فرنسا، وكل دولة تزعم أنها تدافع عن نفسها، وعلى سمائها، وبحرها وأراضيها التي استبيحت من قبل الاعداء، أو هذه الدولة أو تلك، وهم في الحقيقة بعيدون عن بلدانهم ، وخارجون عنها، كبعد الأرض عن السماء!! فأين جغرافية العراق وأفغانستان من جهة، وأمريكا وبريطانيا وفرنسا ونحوهم من جهة أخرى؟! فالمنطق المقلوب يقول ( الدفاع عن النفس ) في حين أن أمريكا هي التي توجد في أرض العراق أو في أفغانستان، وهما يدافعان عن أنفسهما. وقل مثل ذلك عن بريطانيا وفرنسا ونحوهما، يالها من أعاجيب سياسة العصر الحديث والقرن الجديد!!

- فالأرشيف الجزائري في فرنسا، و خاصة ما يتعلق منها بالجرائم، فهي في الحقيقة لا تمثل تاريخ الشعب الجزائري الأبي، بل هي عينات فقط من واقع عاشه و عايشه الشعب الجزائري بلحمه و دمه أثناء الاحتلال، بل هناك مرتزقة استعانت بهم فرنسا، و عاثوا في الأرض فسادا دون حسيب و لا رقيب، و خاصة الجنود السينيغاليين و المغاربة، وما فعلوه من قتل و تخريب و سرقة و تدمير و نحو ذلك في حق الشعب الجزائري الأبي!! على فرنسا العجوز أن تدرك الآن، وتعرف جيدا، أن ساعة الحقيقة قد دقت، و أن الوقت قد حان لكشف المستور، و أن تعتذر دون تردد إلى الشعب الجزائري الأبي، وأن تسعى من الآن لتعويض ما يجب تعويضه مثل تعويض ليبيا لأمريكا و أكثر، ذلك أن جرائم فرنسا العجوز في الجزائر الأبية و صمة عار في جبين تاريخ فرنسا حاضرا و مستقبلا، ومن العار أن تركب فرنسا رأسها من جديد، وتهرب إلى الأمام، وتتنصل من كل مسؤوليتها التاريخية تجاه الشعب الجزائري الأبي!!

- للعلم أن ما هو موجود من حقائق في أرشيف الجزائر في فرنسا هو غيض من فيض كما يقال، لأن ما تعرض له الشعب الجزائري الأبي أكثر بكثير مما دونته فرنسا العجوز من خلال الوثائق و الأرشيف، و الذي يسظهر – لا محالة- للوجود إن عاجلا أم آجلا، طوعا أو كرما، وستستفيق فرنسا العجوز مثلما استفاقت أمريكا على جرائمها في العراق و أفغانستان. فلا عجب أن ننام يوما و ننهض على قانون أمريكي يمجد ما وقع في سجن (أبو غريب) و معتقل (غواتنامو) و السجون السرية وما حدث فيها من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان ما دامت أمريكا تزعم مثلما تزعم فرنسا العجوز أنها حملت معها مبادئ الحرية و الديمقراطية كما تزعم للشعب العراقي و الأفغاني ونحوهما.

- ومن الإنصاف أن نقول: أن هناك حلقة مفقودة بين سياسة تمجيد الاحتلال و تجريمه، وهذه الحلقة تتمثل أساسا في مصلحة الشعبين: الجزائري و الفرنسي، و أن هذا الصراع المفتعل من قبل فرنسا العجوز لأسباب تاريخية ذكرتها آنفا تجاه الشعب الجزائري في عهد الرئيس الحالي (ساركوزي) لا يخدم الشعبين بأي حال من الأحوال. فالعصر الذي نعيشه هو عصر المصالح، ومن يفرط في مصلحته فقد فرط في شعبه، وهذا ما يفعله (ساركوزي) مع شعبه دون وعي، وهذا المسعى سيؤثر –لا محالة- على مستقبل العلاقات بين البلدين و الشعبين، و بخاصة الأجيال القادمة، فما ذنب هذا الجيل الجديد أو ذاك في البلدين حين يعيش يجتر آلام الماضي، و انسداد آمال المستقبل؟!! إنها سياسة الإحتلال الجديد بكل أشكاله و ألوانه، و أن الجزائر الأبية تعمل جاهدة أن تتخلص منه بكل ما تملك من جهد و طاقة، ولها الحق، كل الحق، في ذلك، لأنها دفعت أكثر من مليون و نصف مليون شهيد لتعيش حرة مستقلة، ناهيك عن جرائم الأحتلال من بداية دخوله إلى غاية خروجه من أرض الشهداء و الأبطال و الزعماء و الثوريين و المصلحين و العلماء!!

- فعلى فرنسا العجوز أن تختار في هذه المرحلة بين أمرين أثنين لا ثالث لهما:- إما أن تعود إلى أصلها و فصلها، و تمجد مبادئها ليل و نهار، و خاصة العدل و الإخاء و المساواة، فتكون بذلك فرنسا حقا، أو أن تتمسك بأوهام لا قيمة لها، و تجري وراء السراب الذي لا يزيل العطش، و تكذب على البشرية جمعاء، أن الإحتلال شيء جميل يمكن تمجيده، و أن الحرية شيء قبيح يمكن القضاء عليها، و خاصة إذا كان حاكم فرنسا من أصول أجنبية مثل (ساركوزي) و أمثاله، وما أكثرهم الآن في فرنسا!! إما أن تعود فرنسا للفرنسيين الأقحاح، أو تتحول إلى بركان جارف يأتي على الأخضر و اليابس، وكل ما يجده في طريقها مثلما كان الحال مع ألمانيا ، ففرنسا الآن رهينة، وعلى الفرنسيين الأقحاح تحريرها من الأيادي الأثمة قبل فوات الأوان من أعدء تاريخها و مبادئها ومثلها العليا التي قامت عليها الجمهورية الفرنسية!!

على كل الشعوب والأمم أن تسعى لتمجيد الاحتلال دون حياء منها، وأول شعب من هذه الشعوب المعنية بذلك هو شعب فرنسا الذي احتل من قبل ألمانيا، ذلك أن ألمانيا في الحرب العالمية الثانية حملت معها حضارة عظيمة لفرنسا، وتقدم وتطور هائل في كل مناحي الحياة وبخاصية المدينة منها و العسكرية على السواء، أنظر كيف تحولت الصناعة الفرنسية بعد ذلك، وكيف توصلت إلى تلك الدبابات، والطائرات، والسفن، والغواصات، والقنابل، والصواريخ، أليست ألمانيا هي التي طورت فرنسا مدنيا وعسكريا، فالأجدر بفرنسا العجوز أن تمجد الاحتلال الالماني لها أولا، والأحرى بها أن ترسخ هذه الفكرة التي تؤمن بها عند مريدها وطلابها، وتجعل ذلك يدرس في الكتب المدرسية، فتنشىء جيلا كاملا يؤمن بمزايا الاحتلال الالماني لفرنسا، وتوازن وتقارن كيف كانت قبل الاحتلال، وكيف أصبحت بعده؟!! إذا قبلتْ بما تريده من الجزائر الأبية، فهذا هو الحق بعينه، والصواب بذاته، والحقيقة بنفسها!! من واجب فرنسا العجوز أن تعلم أبنائها وتدرسهم فضل ألمانيا عليهم جميعًا، وتمجد ليل نهارهذا الاحتلال، وأن تجعل له يوما وطنيا في فرنسا، فإذا أدركتْ الشعوب والامم، والإنسانية قاطبة، أن تمجيد الاحتلال هو مزية وشرف، فسوف تجعل له

-لا محالة ــ يوما عالميا في الأمم المتحدة شأنه في ذلك الأيام الأخرى التي تحتفل بها الامم بهذه المناسبة أو تلك!! ليت فرنسا العجوز تفعل ذلك، و سأشيد بموقفها الشجاع ليل نهار ما حييت!! ولكن هيهات ثم هيهات فالجريمة تبقى و إلى الأبد جريمة، و الأحتلال احتلالا ما دام الجمال يبقى و إلى الأبد جميلا، و القبح يبقى و إلى الأبد قبيحا، فهل تقبل الإنسانية في يوم من الأيام، وفي زمن من الأزمان أن تمجد القبيح و تذم الجميل، فالإنسان مفطور على الحرية لا العبودية، و الإستقلال لا الإحتلال، ومن هنا يمكن القول:- إن من يمجد الإحتلال، وينوه به، و يثني عليه، ويشيد به، هو إنسان غير سوي على الإطلاق، يخالف البشرية قاطبة و جاجاتها، و الفطرة و نواميسها، و الأنسانية و مقوماتها، ففرنسا العجوز تتهرب من الحق، لأن الحق ليس بجانبها،لذلك بزعجها و يقلقها كثيرا، و يقض مضجعها، فهي تكاد تكون مفطورة على الظلم، وهي لا تستطيع أن تحيا بغيره تجاه الجزائر الأبية، إنها دولة (ساركوزي) لا دولة (ديغول) ولا (بونبيدو) ولا (شيرك)، هؤلاء الفرنسيون الأقحاح الذين كانوا أوفياء لتاريخ فرنسا و حضارتها و ثقاتفتها، و مبادئها الإنسانية الخالدة التي روجت لها كثيرا!!

الأستاذ و الأديب و الناقد

مومني عبد العالي