قالمة في 27 ماي 2011
جزائر الحضارة والتاريخ والإباء
لأمر ما قال شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكرياء:
إن الجزائر في الوجود رسالة الشعب حرّرها ورّبك وقعا
هاهي الجزائر تعود بقوة إلى الساحة الدولية من الباب العريض، فكم كان أعداؤها مسرورين حين أخطأ بعضهم فراح فريق يقتل فريقا آخر، وهكذا كادت أن تدخل في حرب أهلية لا تبقي ولا تذر. ومن هؤلاء الأعداء (آل مبارك) بمصر ونحوهم بسبب مسألة عادية، ألا وهي كرة القدم في القاهرة، قاهرة المعز لدين الله الفاطمي، وفي أم درمان بالخصوص بين الفريق المصري و الجزائري ،فعقد الرئيس المصري المخلوع مجلسا حربيا، فمن يحارب ياترى؟!!أهو القطر الشقيق الذي ذهب إلى مصر ثم إلى السودان ؟!! فمنذ الإستقلال والشعب الجزائري يقول للعالم كله، خاصة أشقائنا العرب، بملء فيه: أن الجزائر هي بلد المليون و نصف المليون شهيد،إلا أن بعض القادة العرب – للأسف الشديد - يقولون دائما: (بلد المليون شهيد)، و بسبب تواضع الجزائريين، دفع بهم هذا الأمر أن لا يردوا على أشقائهم حول هذه التسمية على خلاف ما فعلوا أثناء زيارة الرئيس الفرنسي للجزائر (جيسكار ديستان) حين قال: (فرنسا التاريخ تحيي الجزائر الحديثة)فرد عليه الشعب الجزائري، والدولة الجزائرية أنذاك أن الجزائر ليست حديثة بل هي أمة عريقة لها تاريخ وحضارة تمتد عبر آلاف السنين، بل القرون. ومن هنا تحضرني قصة المقامة البغدادية لبديع الزمان الهمداني حين قال الراوي عيسى بن هشام وهو ينادي على السوادي (أبو زيد) وهو يقول له:(أنا أبو عبيد) لأنه فعلا لا يعرفه بتاتا، وهو يحتال عليه، والسوادي لا يدرك هذه الحقيقة ولا يعرفها، وحين تعرض للضرب واللطم في المطعم راح يقول: (كم قلت لذلك القريد أنا أبو عبيد، وهو يقول: أنت أبوزيد) فكم قلنا لإخواننا العرب: إن الجزائر هي جزائر المليون ونصف المليون شهيد، وهم يقولون دائما ومنذ الاستقلال إلى يومنا هذا –للأسف الشديد:- بلد المليون شهيد!!
فعندما أسمع لكلام (مصطفى الفقي) أحس كأنه يعيش في عصر المرحوم (جمال عبد الناصر) لكسب مشاعر الناس زورا و بهتانا، وعندما وقعت الفتنة بين مصر و الجزائر بسبب كرة القدم، والتي أيقظها النظام المصري السابق( آل مبارك) و أتباعه، ومن هؤلاء وهؤلاء (مصطفى الفقي) وأيضا (مجدي الدقاق) و (مصطفى البكري) ونحوهم كثير من أعداء الأمة العربية، وعندما أسمع لكلام (الدقاق) كأنه يعيش في الحرب العالمية الثانية مع (هتلر) أو (موسوليني) فكلامه كله وقاحة وتهديد ووعيد، و أن جميع الناس على خطإ، ولا تعرف أي شيء،وهو على صواب، ويدرك كل شيء!! و الأدهى والأغرب من هذا كله أن تجد الرجل الأول وهو (مصطفى الفقي) يزور الجزائر بعدما كان مرشحا للجامعة العربية بأن يكون أمينا عاما لها، دخل الجزائر طالبا منها الدعم والمساندة، يالها من وقاحة!! فبأي وجه قابل الجزائريين الذين سبهم وشتمهم أثناء مقابلة كرة القدم على مرمى و مسمع جميع الجزائريين بحضور السفير الجزائري، بل أي قناع وضعه على وجهه وجاء إلى الشعب الجزائري الذي أذاه كثيرا!! هل استطاع هذا الرجل أن يحقق رغبته؟! لا وألف لا، لأن أرواح الشهداء الجزائريين تطارده في كل حين، وفي كل مكان يحل به هذا الرجل، فكان بذلك هو الخاسر الأكبر في الدنيا قبل الآخرة، وأن الشعب الجزائري الأصيل والأبي هو الرابح الأكبر في الدنيا و الآخرة!! سبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!! كل فرعون سقط في مصر الكنانة في الحضيض الأسفل إلى يوم الدين!! وخرجت الجزائر الأبية مرفوعة الرأس، وعاد الشعبان الجزائري والمصري إلى بعضهما البعض، والوجوه المصرية تغيرت والجزائرية بقيت، فبأي وجه يلاقي كل من سب وشتم الجزائر الأبية، وشهدائنا الأبرار؟!! إنه درس مفيد، على كل عربي أصيل أن يأخذ العبرة منه، وأن لا يسب أي شعب من الشعوب الشقيقة والصديقة مهما كانت الأسباب والظروف، ولا يهين الشهداء الأبرار في أي مكان من العالمين، العربي والإسلامي، حتى لا تلاحقهم أرواحهم في الدنيا والآخرة!! هؤلاء الشهداء الذين قال الله فيهم:(ولا تحسبن الذين قتلوافي سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) صدق الله العظيم –
هكذا خرجت الجزائر شامخة،عزيزة، كريمة، مرفوعة الرأس، لماذا؟ لأن الجزائر لا تسب أي شعب على وجه الأرض، ناهيك عن الشعوب الشقيقة والصديقة، ولا تهين الشهيد مهما وصلت الأزمات إلى حد لا يطاق.
ولأمر ما قال أبو الطيب المتنبي:-
وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم
فالجزائر الأبية – على خلاف (آل مبارك) و أتباعه- ترى أن الأمور العظيمة هي أشياء بسيطة، لأن طموحها أوسع وأكبر مما وصلت إليه من رقي وتطور وازدهار في كل مناحي الحياة، و هذا على خلاف النظام المخلوع لـ (آل مبارك) الذي قزم مصر العظيمة، وجعل الأشياء الصغيرة التافهة أشياء عظيمة، ككرة القدم مثلا، فلم يستطع حتى إيجاد حل مشرف وعادل للقضية الفلسطينية، بل قل: بين عباس وحماس. وهاهي القضية المركزية للعرب تعود إلى زخمها من جديد في ظل الربيع العربي من المحيط إلى الخليج، فبادرت مصر إلى فتح معبر رفح الذي زعم مبارك وأتباعه أنه صعب التحقيق والمنال، ولهذا قال أحد الشعراء العرب القدماء:-
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا و يأتيك بالأخبار ما لم تزود
الأستاذ والأديب والناقد
مومني عبد العالي