مواهب وابداعات للأستاذ: مومني عبد العالي

مرحبا بجميع القراء الأوفياء

الخميس، 23 ديسمبر 2010

بيـــن الإنــســــان والعــمــــران




في القرن الماضي كان يضرب المثل باليابان في التقدم والتطور والإزدهار في كل مناحي الحياة رغم انعدام الموارد الطبيعية عنده، واعتمد في هذا كله على الموارد البشرية، فكان الإنسان هو محور العملية، هو الذي يجلب الثروة، وهو الذي يبني الحجارة والعمران، وحالت أحوال العمران الذي هو الأساس، فانهار بذلك الإنسان، فلم يتقدم بعد ذلك إلى الأمام. فإذا استطاعت أمة أن تستثمر في المواد البشرية قبل كل شيء، فهي أمة تحمل في طياتها عوامل وأسباب النهضة والتقدم والتطور والازدهار في جميع مناحي الحياة. ومن يبدأ بالحجارة فيبقى عقله متحجّرا، ما لم يقدم الإنسان على الحجارة و العمران في كل مكان وزمان!!

ما حزّ في نفسي حين أطل علينا خليجي فراح الرجل يقسم العرب إلى دول الخليج، والأنظمة الثورة، مفضلا الحجارة والعمران على المرء والإنسان، وهو لا يستطيع أن يؤمن هذا العمران الذي يفتخر به، فعمدوا بذلك على قواعد عسكرية مسيحية لا إسلامية، فمتى تتحرر شبه الجزيرة العربية من القواعد المسيحية؟! ما أغرب هذا التصنيف للعالم العربي من المحيط إلى الخليج!!

بل قل: من يحميكم، ويحمي أمنكم في السر والعلانية؟! ومن أعاد الشعب العراقي الأبي إلى القرون الوسطى؟ ولماذا؟ فهذه الحجارة كانت موجودة قبل مجيء الإسلام ممثلة في الاصنام مصداقا لقوله تعالى:((أفمن يخلق كمن لا يخلق )) وقوله عز وجل: (( فعلها كبيرهم هذا )) فعبادة غير الله عز وجل تأتي في أشكال مختلفة بإختلاف الأزمان والعصور، والآن تجد أغلب الناس تعبد المادة، فالثروة هي آلة العصر الحديث،فأنت وأمثالك لا يجد الإنسان هو من يتحكم في الثروة،بل ترى بوضوح تام أن هذه الثروة هي التي تتحكم في الإنسان، فأصبح بذلك عبدا لها، وليس العكس، فكم ينفق الخليجي في الغرب في عطلته الصيفية؟! في حين تجد المسلم في أصقاع العالم يتضور جوعا، ولا يجد ما يأكل، بل هناك شعب بأكمله محاصر برا وجوا وبحرا، بل وحتى تحت الأرض، في أكبر سجن مفتوح في العالم المعاصر، ولا أجدك وأمثالك يسعى لكسر هذا الحصار الرهيب العجيب الغريب ضد شعب مسلم أعزل لا حول له ولا قوة، أمام الآلة الرهيبة للقوة العسكرية الصهيونية، فأين أنت وأمثالك من قوله عز وجل، رغم هذه الثروة الطائلة، والمال الهائل، والغنى الفاحش:((وأعدوا لهم ما استطعت من قوة ومن رباط الخيل...))

لا تعتقد أن الإسلام حكر عليك وعلى أمثالك من الأعراب في شبه الجزيرة العربية، هيهات ثم هيهات، فهذا الدين هو دين عالمي، جاء للناس قاطبة، خاطب الله من خلاله العربي والعجمي على السواء، فلا فرق بين هذا وذاك، وهؤلاء و هؤلاء إلا بالتقوى، وأنت تعرف هذه الحقيقة حق المعرفة، فلماذا تستكثر علينا نعمة من نعم الله عز وجل، ألم يكن الدين الإسلامي الحنيف جاء لإنقاذ البشرية من الضلالة إلى الهدى، ومن الشر إلى الخير، ومن النار إلى الجنة؟! فهذا هو الأصل مصداقا لقوله تعالى: (( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدوني )) ولا يتحقق هذا كله إلا بناء الإنسان عن طريق العلم حتى يكون قادرا على عمارة الأرض، قال تعالى: (( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون )). وعماد ذلك كله الأخلاق مصداقا لقول الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ : (( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ))، ولأمر ما قال أحد الشعراء:-

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** عن ذهبت أخلاقهم ذهبوا

عليك وعلى أمثالك أن تستقرأ التاريخ جيدا، وتقف بنفسك على مصطلحات كل عصر، فالثورة أو المقاومة أو الجهاد أوالغزوات استعملتها الشعوب العربية والإسلامية لمحاربة الاحتلال، فلا ينبغي أن تزعم كل ما هو ثوري هو شيوعي، أو لائكي، أو ملحد ونحو ذلك، وأحيلك على الشباب الجزائري الأبي الذي فجر ثورة نوفمبر العظيمة، كم هو متشبع بعقيدة الجهاد والثورة والإيمان، ولن تحلم في حياتك كلها أن تجد ثورة مثل الثورة الجزائرية المباركة، فهذا الكلام الذي تزعمه عن الأنظمة الثورية هو تشويه للتاريخ والحقيقة، والتاريخ لا يرحم، فأنت وأمثالك تعيشون في ضلال مبين، وجهل بالحقيقة،ولم تدرس تاريخ الأمة الجزائرية، وخاصة مع الأمير عبد القادر، مرورا بالحركة الوطنية، وتتويجا بالثورة التحريرية المجيدة!! فلو كنت تملك أنت وأمثالك ذرة من هذه الثورة المجيدة، والجهاد الطويل، والمقاومة العنيفة لتغنيت بها إن أصبح صياحا أو أمسى مساء!!.

فالأمن الصهيوني هو مطلب غربي قبل أن يكون إسرائيليا، فهل بإمكانك وأمثالك أن تتفوق بثورتك الهائلة، وحجارتك المائلة، وأصنامك الهائلة على الكيان الصهيوني الذي لا يملك في فلسطين لا تاريخا ولا حضارة، فزرع في المنطقة عنوة، رغم أنفك وأمثالك، في القرن الماضي مع نكبة فلسطين، فأين هذه الحجارة والعمارة التي تتحدث عنها؟!! وجعلت الإنسان في المؤخرة، فالإنسان هو محور المصير والوجود والخلود لكل أمة وحضارة!! وانظر إلى الإنسان الأفغاني، هذا الرجل البسيط، لا يملك من المال شيئا، ولا من الطائرات والدبابات والصواريخ ونحو ذلك من أسباب القوة الغربية، بل يملك مواصفات أخرى مثل رفض الاحتلال مهما كان شكله أو طبيعته، يحارب الظلم مهما كان، لأن الظلم ظلمات يوم القيامة، يعشق الحرية لا العبودية التي رفضها الإسلام، كرمه الله بالعقل، فكان بذلك آلته الرهيبة، وقوته الضاربة، وعبقريته المبدعة، فهزيمته للاحتلال، وكل دولة عظمى في العالم، أصبحت مقبرة لها قديما وحديثا، أما الأخطاء التي وقعت في هذا البلد الإسلامي لن تتكرر ــ إن شاء الله ــ فقد أدركوا أن المؤمنين إخوة، إلا أن طبيعة الأفغاني فقط تجده في بعض الأحيان يحارب حتى في السلم بعضه بعضا، وهذا أكبر خطأ لا يقبله العقل ولا الشرع ولا القانون!!.

إن هذا السلوك النادر يشبه شكل من أشكال الجنون لا يلبث أن يجد له الإسلام الدواء النافع، والصراط المستقيم، والعقل الراجح، لأن الدين الإسلامي الحنيف يحمل في طياته عوامل الأخوة لا العداوة، والاتحاد لا التفرقة، والقوة لا الضعف، والتعاون لا التخاذل، والتكافؤ لا الشح والبخل والتقتير، إنه رحمة للعالمين، فأين أنت وأمثالك من معاني هذا الدين القويم،والسراج المنير؟!!.

ألم يقل هذا الدين على لسان نبه الكريم، ورسوله الحكيم: (( اطلبوا العلم ولو كان في الصين )) فالدين الإسلامي الحنيف كل متكامل، لا ينبغي فصل بعضه عن بعض في العبادات والمعاملات ونحو ذلك، فنظرة الإنسان المسلم ينبغي أن تكون شاملة لهذا الكون، ولا يفصل شيء منه عن باقي الأشياء، هنا يمكن فهمه فهما صحيحا، وأن الإنسان قبل العمران، وأن هذا الأخير لا يتحقق إلا عن طريق الإنسان المتعلم الذي لا يبني بيته، ثم يخربها بيده إن كان جاهلا، أو أميا، أو مريضا، أو عالة على الناس ونحو ذلك، فالمؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير!! فأين قوة الإنسان أمام قوة العمران؟! فشتان بين الثرى والثريا كما يقال!! ذلك أن الإنسان المتعلم المبدع، الذي يعيش عصره، يسيطر على البر والبحر والجو، كلمته هي الأولى والأخيرة في هذا العصر حول كل واردة و شاردة، هو الإنسان الذي أراده الله عز وجل، وسخر له كل شيء في خدمته، ولا يتأتى له ذلك إلا إذا كان عالما واعيا، محبا لوطنه وأمته، وإنسانيته جمعاء، فلا يهدم ما بناه من حضارة وتقدم وازدهار في جميع مناحي الحياة، أما إذا كان جاهلا، بليدا، لا يحب لنفسه ما يحب لأخيه، فسيهدم بيته قبل أن يهدم بيت غيره من الناس.

فمن يكبح تقدم العرب من المحيط إلى الخليج؟! ومن دفع بأكبر دولة عربية أن ترتمي في أحضان أعداء الأمة العربية و الإسلامية؟! في الوقت الذي كانت فيه من ألد أعداء دولة عربية خليجية، وكان مسرح هذه المعركة هي أرض اليمن السعيد، ونتائج ذلك نشهدها الآن!! فكيف تحول الصديق عندها إلى عدو، والعدو إلى صديق، من كان السبب في ذلك كله؟!! ومن جعل من بعض الحكام العرب يستقبلون الصهاينة، أعداء الأمة العربية والإسلامية، في قصورهم دون خجل أو حياء من شعوبهم، فلم تعد هذه الأمور سرا على أحد، فأصبحت بذلك العمالة للأعداء مفخرا لهم، وسباق فيما بينهم، فحين كان يلتقي بعض هؤلاء وهؤلاء الأعداء في عيادات طبية في الخارج للتمويه على الناس، فقد أصبح كل شيء يتم في وضح النهار دون خجل أو حياء!! إنها خسارة الإنسان الذي أهملناه منذ زمن طويل، فلم يعد بعضهم يشعر بالانتماء للوطن، ويطلب الجنسية الغربية على الجنسية العربية و الإسلامية، لأن الإنسان العربي أصبح يشعر بالضعف أمام الرجل العجمي، وخاصة الغربي، لذلك تراه معجبا به كثيرا، ويجعله المثل الأعلى له في شتى مجالات الحياة، لأن بناء الإنسان أولا قبل بناء الحجارة والعمران، فلنفكر في الإنسان وبنائه فكريا وثقافيا، وعلميا وحضاريا وتاريخيا ونحو ذلك حتى يكون قادرا على الخلق والإبداع في كل مناحي الحياة، فيكون قويا اقتصاديا، وثقافيا وسياسيا، وعسكريا، وتكنولوجيا، وكل متطلبات الحياة الحديثة العصرية، فالبيئة ينبغي أن تكون هكذا مهيأة لكل جيل، ينهل من موردها الصافي الرقراق كل معاني الإنسانية حتى يكون جديرا بالتفوق والريادة والحضارة في كل شيء،بل يصل إلى أشياء لا تخطر الآن على بال الإنسان!! إنها والله ثورة الإنسان قبل العمارة والبنيان حتى تكون في خدمة الإنسان!!.

أغرب تقسيم سمعته في حياتي حول العالم العربي بالخصوص:- دول الخليج العربي، والأنظمة الثورية، فهذا التقسيم يعد في الحقيقة بدعة لم يسبق إليها أحد من قبل، وكررها كثيرا في تدخلاته الفاشلة، ومبرراته التي تحمل في طياتها معاني التبعية والاستسلام والجهل بالتاريخ والحضارة والإسلام، وجعل لغة الضاد تضمحل شيئا فشيئا،بسبب هذه الشعوبية الجديدة في شبه الجزيرة العربية، في حين تجد - مثلا- فرنسا تسعى للحفاظ على من يتكلم بلغتها،لأن هذا يعد انتصارا لها،وقل مثل ذلك بالنسبة لبريطانيا!! أما موطن اللغة العربية، لغة القرآن الكريم، ولغة الضاد، نجد من يقسم العرب الذين يتكلمون بهذه اللغة إلى قسمين:- عرب الخليج، وعرب الأنظمة الثورية. يالها من عبقرية للحفاظ على اللغة العربية!! لهذا وجدنا اللغة الفارسية تحل محل اللغة العربية، وكذلك اللغة التركية، وغدا - لا قدر الله- اللغة الفرعونية، واللغة الأمازيغية محل اللغة العربية، وتبقى لغة القرآن محصورة في رقعة أرضية ضيقة هي دول الخليج العربي. يالها من فتنة أشد من القتل من هذا الأعرابي الذي جاء ذكره في القرآن الكريم بوصف يعرفه العرب والعجم على السواء!!.

فالغرب يصل بعد قرون إلى نظريات جديدة، ومفاهيم عديدة،سعى إليها بجهد منذ زمن بعيد، مثل العولمية، والتجارة الحرة، وحقوق الإنسان، ويفرضها عليك قبل أن تستعد لها، ويطالبك بتطبيقها أحببت أم كرهت، وأنت تزعم أن هذا هو العصر الذي نعيش فيه نحن، لأنك لم تخطط لشيء على المدى القريب والبعيد لتفرضه بعد ذلك على الغرب مثلما يفعل معك ومع أمثالك من الضعفاء والمنهزمين داخليا، والمستسلمين ظاهريا، والمنبطحين أمام الأعداء في كل شيء، لماذا؟ لأننا بدأنا بالعمران قبل الإنسان، والمنطق يقول: إن الإنسان هو محور العمران والبنيان!!.

ببساطة نقول للكبير والصغير، للعالم والجاهل، للعربي والعجمي:- أن العمران لا يبني الإنسان، بل الإنسان هو الذي يبني العمران، وكفى من البرهان!! فمن يزعم أن العربي منغلق على نفسه فهو واهم، بل هو متفتح على العالم كله، فهو يتقن جميع اللغات الحية في العالم، بل أكثر من ذلك فأدعو العرب جميعا تعلم اللغة الصينية والهندية قبل اللغة الفرنسية، لماذا؟ لأن هذا البلد العملاق الصين، والشعب الواعد الهند، في كل مجالات الحياة يفرض علينا أن نتعلم لغتهما بكل طلاقة وسلاسة، حتى نستطيع أن نتعامل معهما اقتصاديا بالدرجة الأولى، ناهيك عن العلم والصناعة والزراعة والتكنولوجيا، إلا أننا نطالب دائما أن تكون لغة الضاد هي لغة الأم، ويجب أن تكون في الريادة، وتليها اللغات الأجنبية دون استثناء، ومن تقتصر ثقافته ولغته على اللغة الفرنسية في بلادنا ــ مثلا ــ فهذا يعود أساسا إلى مخلفات الاستعمار، وقل مثل ذلك بالنسبة للغة الانجليزية في المشرق العربي، فعلى العربي القح أن يتجاوز هذين اللغتين إلى اللغات الأخرى مثل الألمانية، والصينية والهندية والروسية، والإسبانية والإيطالية واليابانية والكورية ونحو ذلك من اللغات الحديثة!!.

ما هي القوة التي تحمي مصالح العرب من المحيط إلى الخليج؟! فالجواب يكون ــ لا محالة ــ بالنفي، فلا تجد دولة عربية واحدة، أومجتمعين، على حماية مصالح العرب، ناهيك عن الأمن العربي، فمن يسعى إلى تحقيق الأمن العربي بالقياس إلى الأمن الصهيوني في المنطقة العربية؟!! فما مصير العمران والحجارة والعمارة في غياب الأمن العربي من المحيط إلى الخليج؟!! وصاحبنا كأنه يعيش في جزيرة معزولة عن العالم، وأن المنطقة العربية تعيش في استقرار يحسد عليه، والعكس هو الصحيح، فهي تعيش على بركان، سينفجر في وجه هذه الأمة في وقت من الأوقات، وفي زمن من الأزمان، فهذا الأمر آت ــ لا محالة ــ وكل آت قريب ــ كما يقال ــ !! فماذا أعددنا لذلك، وخاصة دول الخليج الذي يفتخر صاحبنا بعمارتها وحجارتها قبل بناء الإنسان الذي يحافظ على هذه العمارة وهذه الحجارة؟!

فالجهل وقصر النظر، والتعصب الأعمى من أقصى اليمن إلى أقصى اليسار، والاسترخاء، والابتعاد عن اليقظة، والنفس القصير، والجهل بالتاريخ، والمرض، والبطالة، والحياة الصعبة، والظلم والاستبداد، والابتعاد عن الحرية الحقة، ومعانيها النبيلة، والإنسانية الحقة، ومفاهيمها الراقية ونحو ذلك، كل هذا وغيره من الدواعي والأسباب التي تؤدي إلى تخلف الأمة وتقهقرها، وبقائها تدور في حلقة مفرغة، تتشبث بقشة الأمل لعلها تنجو بنفسها من غول التعاسة والتخلف والانحطاط!!.

فالإنسان هو الذي يبني العمران ويهدمه حين يشاء، أما إذا أعددناه جيدا للحياة فيسعى دائما للبناء لا الهدم، والتقدم لا التخلف، والريادة والقيادة لهذا العالم!!

فالمال هو عصب الحياة، به تبنى الأمم والشعوب، ولكن إذا كان هذا الإنسان مقصرا في بناء الإنسان نفسه قبل غيره، فسيأتي اليوم الذي تجد فيه هذا الإنسان يهدم ما بناه غيره في وقت من الأوقات، وهذا ما نلحظه في كثير من الأحيان، ونشاهد عند بعض البلدان!!

لو كانت ثروة ومال وكنوز دول الخليج عند دولة مثل تركيا ــ مثلا ــ لكانت بذلك من أكبر دول العالم كله، وتنافس روسيا وأمريكا والصين والهند وبريطانيا وألمانيا ونحوهم في الريادة والقيادة في كل شيء، أما وأن يكون هذا المال، وهذه الثورة، وهذه الكنوز في البنوك الغربية في معظمه، فإن هذه الدول ستبقى تابعة لا متبوعة، وعربة لا قاطرة، تؤمر ولا تأمر، وتبقى هكذا إلى يوم الدين إذا لم تحرر الإنسان الذي حرره الإسلام فكريا وثقافيا وعلميا وحضاريا ونحو ذلك من معاني التقدم والتطور والازدهار.

وما اغرب في كلام صاحبنا ــ بالإضافة إلى دول الخليج ــ هناك (دول عاقلة)، لم أسمع بهذا التصنيف للدول العربية على الإطلاق، من أين جاء بهذا المصطلح الغريب؟! وذكر صاحبنا بعض هذه الدول بالاسم، وهي دول تسير في فلك دول الخليج، وهي تعيش في الحضيض الأسفل، ومن يريد أن يتأكد من ذلك، فليعد إلى مشاهدة ما ذكره صاحبنا على الشاشة. وأحيل صاحبنا على تاريخ الأمة الجزائرية بالقياس إلى أمتك وتاريخها وحضارتها وتقدمها وتطورها وازدهارها، فتاريخ تلك الأمة، وهذه، بعيدة كل البعد، مثل بعد الأرض عن السماء، ولهذا يقال: شتان بين الثرى والثريا!! لو كان هذا المال موجود عن شعب مثل شعب مصر أو الجزائر لصعدا بهذا المال إلى القمر، والعالم العربي والإسلامي لأصبح من أكبر الدول في العالم كله، والأعرابي يبقى أعرابي حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ما دام قد جاء ذكره في القرآن الكريم، فهل بمقدورك أن تحذف الآية الكريمة المتعلقة (الأعراب)!!.

الغرب يضحك على دول الخليج، يشجعهم على التنمية بطريقة غريبة، سكانها أجانب، ولهم الحق، كل الحق، في الحقوق والواجبات، أكثر من نصف السكان أجانب، فلم تعد هذه الأراضي ملك لهم بحكم الأقدمية، والبناء والتشييد، والانجاز بيدها، والحقوق والواجبات، وأحيل صاحبنا أن أكبر المصانع كانت في الجزائر، والبناءات، والمقامات، وفي الأخير اكتشفنا أن بناء الإنسان أولى من بناء العمران، فمعظمها عطل أو هدم بسبب جهل الإنسان والابتعاد عن بنائه، لقد سبقنا دول الخليج في هذا النوع من البناء، وسيكون مصير هذا العمران أسوء مما يتصوره أي إنسان على وجه الأرض، وكل آت من الغرب من قصور وعمارات، ومنارات، فدمروا البشر والحجر معا، لأن العقول مسلوبة من طرف الغرب، والأيدي العاملة مجلوبة من العرب وغير العرب للبناء والتشييد، فأين هؤلاء من الأنظمة الثورية حسب زعمه؟! مع العلم أن الجزائر فقط لها ثورة حقيقية، ولا توجد هناك ثورة إلا في خيال هذا الرجل المسكين!!.

فصاحبنا يكرر في الحصة كلها الأنظمة الثورية باستخفاف واحتقار وتشفي ونحو ذلك من المشاعر السيئة ضد هذه الدول العربية الإسلامية، وعليه، نقول: أن دول الخليج التي يعتز بها، ويفتخر بها كثيرا هي ــ حسب تقديري ومعرفتي ــ دول عميلة تحمل في طياتها عوامل الاستسلام والخيانة والخنوع، والتبعية للغرب لا العرب، والصهاينة لا الإسلام، وما فعلوه بالشعب العراقي الأبي أكبر دليل على ما أقول. وأمريكا تحميهم بقواعدها العسكرية، وإسرائيل راضية عليهم، فلا تخشى من عمرانهم ولا من بنائهم ، ولهذا فهي تنام قريرة العين لهذا الشأن على خلاف تركيا وإيران فعيونها لا تنام عليهما!!

فليخرس الأعراب في شبه الجزيرة العربية عن الكلام عن الأنظمة الثورية، فأين هذه الأنظمة الثورية التي يتحدث عنها في العالم العربي والإسلامي على السواء؟! فلا أرى منها شيئا على الإطلاق إلا الثورة الجزائرية في القرن الماضي، فهل من يقوم بانقلاب على النظام الملكي، فيحل محله النظام الجمهوري،فيصبح بذلك ملكا أكثر من الملوك، ويزعم أنه قام بثورة حتى قيل: الثورة المصرية، والثورة الليبية، والثورة اليمنية، والثورة العراقية، والثورة السورية وهلم جرا.

فأين هذه الثورات من ثورة المليون ونصف مليون شهيد؟! فليخرس الأعراب في شبه الجزيرة العربية حين يطل علينا على الشاشة ويهاجم الأنظمة الثورية، فلو لم ينعم الله شبه الجزيرة العربية بنعمة البترول لكنت تحت الخيمة إلى الآن، وترعى الجمال، ولا نجد ما نأكله في هذا الزمان، فأحمد الله إن أصبح صباحا أو أمسى مساء لهذه النعمة، فإذا زالت ،فماذا أنتم فاعلون؟!!.

بربك قل لي : أين تودع أموالكم الطائلة؟! ومن المستفيد الأكبر منها؟! أليس الصهاينة أعداء الأمة العربية والإسلامية؟! فالثورة الجزائرية، وتاريخها المجيد، وثوراتها ضد الاحتلال أشهر من نار على علم كما يعرف الخاص والعام، فأنت لا تستطيع أن تحلم بجزء يسير جدا بثورة أو جهاد أو مقاومة في بلادك مثل ثورة الشعب الجزائري الأبي، وجهاده العظيم، ومقاومته ضد الاحتلال!!.

فبدلا من تشجيع الدول والشعوب التي لم تكن قبل الإسلام تتكلم بلغة الضاد، أن تستعمل اللغة العربية، ومساعدتها في ذلك ماديا ومعنويا، يسعى هذا الأعرابي إلى تقسيم المسلمين تقسيما جديدا، فيه كثير من الاستعلاء والعنصرية المقيتة بين دول الخليج العربي والأنظمة الثورية، فمن أين جاءه هذا التقسيم الجديد؟! وهذه التفرقة بين المسلمين؟! ألم يقل الله عنكم في كتابه العزيز: ((إذا قالت الإعراب آمنا، قل لم تؤمنوا...)). وكم يصرف أغنيائكم في الأجازات، وخاصة الصيفية منها؟! وكم عدد الفقراء والمساكين في العالم العربي والإسلامي؟! ومن يقدم لهم المساعدات الإنسانية الضرورية؟! وماذا قدمتم من نفس ونفيس لتحرير القدس الشريف من العصابة الصهيونية؟! ألم تتحالفوا مع أمريكا خاصة، والغرب عامة، وأن مفتاح الحل لقضية القدس الشريف هو بين أيدي أصدقائكم هؤلاء!!فكيف وصفكم الله عز وجل في كتابه العزيز!! أليس هذا أكبر دليل على نفاقك ونفاق أمثالك من الأعراب في شبه الجزيرة العربية؟! فالنقاش كان يدور حول موضوع الإنسان والعمران، وليس بين دول الخليج، والأنظمة الثورية كما تزعم، لهذا السبب أقول بملء الفم دون تردد أو تلعثم: لهذا السبب وصفكم الله عز وجل في كتابه العزيز بتلك الأوصاف التي مازالت تلازمكم مادام القرآن حفظه الله من الضياع، وستلازمكم تلك الأوصاف إلى يوم الدين!! أنها أوصاف الخالق الأعظم، لا العبد الضعيف!!.

فدول الخليج لا تستطيع أن تحمي نفسها بالقياس إلى أمن اليهود في المنطقة العربية، ناهيك أن تحمي غيرها من المسلمين المستضعفين في الأرض!! فقد عطلوا كثيرا من آيات القرآن، كلام الله عز وجل، فمسخهم بالضعف والهوان، والذل والاستهجان، فهذه الطفرة المالية الكبيرة تعود بالفائدة في الأخير إلى الكيان الصهيوني، والدول الغربية، وخاصة أمريكا!! وموضوع الحوار يدور حول أفضلية التنمية البشرية أم العمرانية، وليس المفاضلة بين دول الخليج والأنظمة الثورية كما يزعم صاحبنا، لماذا يصاب بالهوس والعقدة، ومركب النقص من كلمة (الثورة) عند بعض الشعوب والأمم العربية من المحيط إلى الخليج؟! ولماذا لا تنظر إلى حالك وحال أمثالك من المبذرين الذين يقول فيهم الله عز وجل: (( إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين)) فكم يصرف الخليجي في عطلته الصيفية، ولا يعمل على الصناعة العسكرية التي تفوق الصناعة اليهودية الصهيونية في المنطقة العربية؟! وتحمي نفسك بدلا أن يحميك اليهود والنصارى؟!.

فليعلم صاحبنا أن دول الخليج التي ينتسب إليها، ويفتخر بها كثيرا، ويستهين بما يزعم بالأنظمة الثورية في الوطن العربي، فأقول له: أن جميع دول الخليج، الكبيرة منها والصغيرة تتطفل على الإسلام، والإسلام براء منها إلى يوم الدين، وهذه الأنظمة التي قامت بانقلاب عسكري على النظام الملكي، وسميت نفسها بالأنظمة الثورية هي مثلكم تماما، فالثورة براء منها إلى يوم القيامة!! أقول بملء فمي: أن الثورة الوحيدة في العالم العربي والإسلامي في القرن الماضي هي الثورة الجزائرية التي كانت مثلا لكل الشعوب المغلوبة على أمرها، أتحداك وأتحدى غيرك أن تقوموا بثورة فقط تشبه ثورة المليون ونصف المليون شهيد في أقل من ثمان سنوات، ناهيك عن الثورات السابقة التي فشلت، ومجازر الثامن من ماي الرهيبة، وأعتقد أنك لا تعرف شيئا عن الجزائري حين يقول لأخيه الجزائري مهددا: (( أنت وجه لامبيس ))، ولا تسمع بالجزائريين ومصيرهم إلى الآن في (( كاليدونا )) ؟!

فتجربة دول الخليج مع الحجارة والعمارة أكبر وأخطر من تجربة الجزائر الثورية، فأصبح الرجل عندنا يضرم النار في معمل أو مصنع – مثلا – ثم يزعم في تقريره أن هذا الحريق يعود أساسا لشرارة كهربائية بعد سرقة أموال طائلة لهذا المعمل أو المصنع، ويغلق الملف بهذه الطريقة الجهنمية، بل ما هدم وهشم في أحداث أكتوبر لا يتصوره عقل أو خيال، لأننا بدأنا ببناء الحجارة والعمران لا الإنسان، فخرب الإنسان بيته بيده، بل لم يكفيه ذلك فراح يريق الدماء البريئة، ويزهق الأرواح المطمئنة حتى جاء المجاهد والمناضل الكبير فخامة رئيس الجمهورية السيد (عبد العزيز بوتفليقة ) فوضع بحكمته الرشيدة، وحنكته السديدة حدّا لكل هذه التجاوزات الخطيرة، فأعاد للجزائر عافيتها من جديد، ومن هنا أدركنا أن الإنسان هو محور كل عمل أصيل في بلادنا قبل الحجارة والعمارة والعمران، والأبراج العالية، والتماثيل الضخمة، لأن الإنسان هو الذي يبنيها إن شاء، وهو الذي يهدمها إن أراد بحسب وعيه وثقافته وعلمه ونظرته لبلاده، ومستقبل أجياله!!.

فإذا نزعت براميل النفط عن أنظمة الخليج غير الثورية كما يزعم صاحبنا فلا تساوي شيئا حاضرا ومستقبلا، وإذا تحولت أفغانستان مقبرة لأمريكا مثلما حصل مع بريطانيا والإتحاد السوفياتي سابقا، ستصبح هذه الأنظمة في خطر حقيقي، فشعوب المنطقة ستأخذ بيدها زمام المبادرة، وتغير ما يجب تغييره لصالح العرب والمسلمين نزولا عند قوله عز من قال: (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )) هذا هو مصير الأنظمة الخليجية غير الثورية كما يزعم صاحبنا – لا محالة – وتصبح بذلك قاطرة الأمة العربية والإسلامية في الأمن أولا، والتقدم والتطور والازدهار في جميع مناحي الحياة، وتدخل الحضارة من جديد من أبوابها العريضة، وتكون بذلك أحسن أمة أخرجت للناس على وجه الأرض إلى يوم الدين!!.

فدول مثل تركيا والجزائر ومصر وإيران تملك أسباب النهضة والحضارة على خلاف دول الخليج مجتمعة، وينقصها عصب الحياة، المال فقط.لو كانت دولة من هذه الدول تملك هذا المال الخليجي، والثورة الهائلة، لكانت بذلك من اكبر دول العالم كله، وتتفوق على إسرائيل على جميع الأصعدة، ولا تفكر في تهديد أي دولة عربية، أو إسلامية على الإطلاق، لأنها تعرف مصيرها مسبقا قبل أن تفكر في الاعتداء على هذه الدولة أو تلك كما تفعل الآن!! فالله عز وجل ابتلى دول الخليج بهذا المال الضخم ليسألهم عنه يوم القيامة: أين صرف معظمه؟! ولماذا؟! والمسلمون في العالم يتضورون جوعا، بل منهم من يموت جوعا!! فقد جعل الله المال دولة بين الناس ليمتحنوا به في الدنيا قبل الآخرة، فأين صوت دول الخليج من صوت العثمانيين الجدد كما يقال الآن؟! فالإجابة تكون مخجلة من المحيط إلى الخليج عند المواطن العربي خاصة والمسلم عامة!!.

فهذه الثروة الخليجية الطائلة التي تودع في البنوك الغربية، وتعود بالفائدة بطريقة أو بأخرى على الكيان الصهيوني، في حين تجد أكبر دولة عربية ترنمي في أحضان الكيان الصهيوني بسبب الفقر والفاقة والعوز!! فهذه الظاهرة تحتاج فعلا إلى فقه السياسة والثروة والعلاقة بينهما عند المسلمين!! هذا الشعب العظيم لو كان لديه المال الكافي، وهو عصب الحياة، لخلق بذلك المعجزات في العالمين: العربي والإسلامي!!.

فصاحبنا يصنف العرب تصنيفا غريبا عجيبا لم أسمع به من قبل على الإطلاق:- دول الخليج، والأنظمة الثورية، واستثنى من هذه الأنظمة الثورية بعض الدول وصفها ( بالعاقلة ) وذكرها بالاسم، وهي دول تسير في فلك دول الخليج، وتتعاون سرا وعلنا مع الكيان الصهيوني، بعضها منذ نشأة هذا الكيان الدخيل، وبعضها التحق حديثا، فزعموا أن بوابة ( واشنطن ) لا تكون إلا من خلال ( تل أبيب) فهرعوا جميعا إلى ( تل أبيب ) للوصول إلى ( واشنطن )، وهذا الأمر ليس بالشيء السري، بل إسرائيل تعلن عن ذلك للعدو قبل الصديق، والبعيد قبل القريب،وهو ما تحقق لها فعلا لا قولا!!.

بل قل للمواطن العربي والإسلامي العادي: أين يقضي رؤساء الدول الغربية، والعصابات الصهيونية عطلهم وإجازاتهم؟! وأين يجدون راحتهم؟! والحديث عن العولمية، والتحجج بذلك، فمن أوصل العالم إلى هذه الظاهرة؟! وهل هي في خدمة الإنسانية قاطبة فعلا؟! وهل الغرب المسيحي بالخصوص يتنازل بحكم العولمية على خصوصياته الثقافية والحضارية والعلمانية؟! قطعة قماش فوق الرأس تسمى ( الخمار ) أرعبتهم في قعر دارهم كثيرا، ناهيك عن حضارة العرب والإسلام والمسلمين!! في حين يدعو رئيس الوزراء الأسباني السابق الدول الغربية إلى حماية الكيان الصهيوني، لأن زواله ـ حسب إقراره- هو زوال للغرب وحضارته !! .... فعلوا ذلك وأكثر في بلادهم جهلا بالدين، وضلالا بأصوله ومعانيه السامية النبيلة، فتاهوا بين الأصول والفروع، فهتكوا بذلك مقاصده التي يقوم عليها هذا الين الحنيف!!.

فمتى يقول صاحبنا الحقيقة للأمة العربية والإسلامية أن هناك قواعد مسيحية ضخمة على أرض محمد ــ صلى الله عليه وسلم ــ فمتى تتحرر أرض الرسول الأعظم من هذا الوجود العسكري المسيحي في دول الخليج؟! وما الهدف من تواجدها على أرض محمد ـ صلى الله عليه وسلم ــ ؟! في الوقت الذي ترفع فيه الأبراج العالية للبذخ والترف والتبذير والإسراف !!.

فالله عز وجل جعل هذه الأمة العربية والإسلامية رأس الحضارة الإنسانية، وعقلها، فأصبحنا بحكم تحديات كثيرة أهمها الابتعاد عن بناء الإنسان السوي في ذيل هذه الحضارة الإنسانية وجهلها!!.

ما يؤسفني كثيرا أن أغلب دول الخليج تحمل في طياتها عوامل الانهزام والتبعية والاستسلام، ولا تتغير أحوالهم حتى تستجيبوا قولا وفعلا لقوله تعالى: ((إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)).

فمن أعاد الشعب العراقي الشقيق إلى القرون الوسطى بصرف النظر عن قائده السابق!! في البدء تحرش الصهاينة بإيران، فكانت حربا مدمرة بين العراق وإيران بإيعاز من دول الخليج، وبعدها هدموا العراق تهديما، وهاهم الآن يتربصون بإيران من جديد بإيعاز من الصهاينة، فهذه حقائق على الأرض، وليست تحاليل قد يكون صاحبها على صواب أو خطأ!! للعلم أن الجزائرية الأبية الثورية دفعت ثمنا باهضا بغية الصلح بين الشعبين الصديقين: العراق وإيران، والجميع يعرف حق المعرفة هذه الحقيقة من المحيط إلى الخليج!!

فالرجل الخليجي ــ للأسف الشديد ــ يسوي بين الثورة والانقلاب العسكري، ناهيك عن الألقاب البراقة: خادم الحرمين الشريفين، أمير المؤمنين، ملك الملوك، صاحب الضربة الأولى، زين العرب ونحو ذلك من الألقاب، فما ذنب الجزائر الأبية التي فجرت ثورة التحرير المجيدة من هذه التسميات والألقاب التي يعرفها الخاص والعام من المحيط إلى الخليج؟! أتريد أن تضحك على عقول المشاهدين العرب والمسلمين بمصطلح ( الأنظمة الثورية ) و ريادة ( دول الخليج ) في كل مناحي الحياة: أكبر، وأضخم، وأعلى، وأعرض... إنجاز في العالمين العربي والإسلامي، وهذا الإسراف والتبذير في أموال النفط ( إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ) في حين نجد المسلم في العالمين العربي والإسلامي يتضور جوعا، ناهيك عن العلم والصحة والشغل والسكن ونحو ذلك من ضرورات الحياة!! قال تعالى: (( إنما المؤمنون إخوة )) وقال عز من قائل: (( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا )) وقال: (( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان )) وقال الرسول الكريم محمد ــ صلى الله عليه وسلم ــ : ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )) فأين أنت من تصنيف الله عز وجل ونبيه الكريم للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها؟!!

فصاحبنا لا يستطيع أن يتصور عن طريق الحُلم – لا الحقيقة – واحد في الألف من ثورة المليون ونصف مليون شهيد في بلاده!! ومن يقوم بانقلاب عسكري وزعم أنه قام بثورة فهذا شأنه وشأنك، ولا دخل لثورة المليون ونصف مليون شهيد في ذلك على الإطلاق!!فهناك ثورة واحدة في القرن الماضي في العالمين: العربي والإسلامي، هي الثورة الجزائرية فقط!!ولأمر ما قال أحد الشعراء العرب:

وما انتفاع أخي الدنيا بناظره

إذا استوت عنده الأنوار والظلم

وهي أعظم وأكبر وأجل ثورة في القرن الماضي في العالم بالإضافة إلى ثورة الفيتنام فقط!! وباقي الثورات توابع لهما مثل أنغولا والموزنبيق ونحوهما!!

فمن يهتم بالحجارة والسيارة قبل الإنسان وبنائه، فسيهدم في وقت من الأوقات، أن آجلا أو عاجلا، هذه السيارة، ويضيع هذه الحجارة!!وهذا مصير كل حضارة تبدأ بالحجارة والعمران لا المرء والإنسان!!.

الأستاذ: مومني عبد العالي

قالمة في 10 جويلية 2010