مواهب وابداعات للأستاذ: مومني عبد العالي

مرحبا بجميع القراء الأوفياء

الأحد، 19 سبتمبر 2010

يا غزة الأمور بخواتمها ....لا ببداياتها

يا غزة الأمور بخواتمها ....لا ببداياتها


العدوان على الشعب الفلسطيني في (غزة) أسقط كثير من الأقنعة، خاصة لدى الحكام العرب، فمنهم من ظهر بأبشع صورة، وأقبح وجه، وأرذل سلوك على وجه الأرض!! يتجلى هذا خاصة عندما ترى وتلاحظ مواقف بعض الدول الإسلاميّة، وغير الإسلاميّة، متقدّمة جدًّا على خلاف كثير من المواقف العربيّة من المحيط إلى الخليج!!.


فهذه مواقف الشعوب العربية، رغم القمع والمنع لسبب أو لآخر، أحسن وأروع وأجمل من مواقف الحكام العرب أجمعين، فقد خرج الشعب العربي، ومن ورائها الشعوب الإسلاميّة، وكثير من الشعوب الحرة في العالم، إلى الشوارع، في هذه الدول أو تلك، مندّدين ومستنكرين بدكّ قطعة صغيرة على وجه الأرض، وإحراقها وتدميرها إنها أرض غزة، وشعب غزة، على يد أعتى وأقوى وأعظم دولة في المنطقة العربية، وهي دولة (إسرائيل)، هذه المواقف الشعبية من المحيط إلى الخليج، والمظاهرات والمسيرات الحاشدة، أفرزت حقيقتين أساسيتين، ومن ورائهما حقائق أخرى؛ فالأولى تقول : أن جميع الشعوب العربيّة لا تساير حكامها، والعكس صحيح، فالحاكم لا يلبي مطالب شعبية، ولا يستمع إلى نبضاته، رغم أن الشعب هو مصدر الحكم والشرعية عند الغرب، وهذا لا نراه على الإطلاق عند العرب الذين يتشدّقون أمام الغرب قبل العرب أنهم ديمقراطيون و يطبّقون الديمقراطية!! وفي الأخير تجد الحاكم في وادٍ، والشعب المغلوب على أمره في وادٍ آخر!!.


والحقيقة الثانية تقول : أن أغلب الحكام العرب مسنين، ظل بعضهم عقودًا من الزمن في الحكم دون مبرر، فلا يتركون الفرصة للطاقات الشابة القادرة على العمل، ومجابهة الصعاب في جميع مناحي الحياة، بالإضافة إلى الأميّة لبعضهم، فأنت ترى حاكمًا يقرأ على الورقة كلمة، ولا يعرف كيف يقرأ، يحاول التهجأة، فلا يفلح في ذلك. والمنطق يقول : فاقد الشيء لا يعطيه!! وفي المقابل ترى الشعوب العربيّة والإسلاميّة من المحيط إلى الخليج تنصيب الرئيس الأمريكي، يتقدّم إلى المنصة واقفا، وكله حيويّة ونشاط، وقدرة على العمل، له أفكار وبرنامج عمل، لسانه قادر على توصيلها إلى شعبه وأمته، للرجل والمرأة، لليافع والشيخ، لجميع الأجناس والأعراق، كأنه يقرأ بطلاقة كتابا مفتوحا، أما الحاكم العربي فيتكلم في الغالب جالسا لضعف طاقته، ليتلعثم في لسانه في كل حين. ومن أراد أن يتحقق مما ذهبتُ إليه فليعد إلى قمة (الكويت) صوتا وصورة ليرى العجب العجاب، فأين التغيير الذي تنشده الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج؟! فالحاكم الذي كان يبني نظام الاشتراكية في بلاده، هو الحاكم الذي نراه يبني الرأسماليّة في بلاده أيضا، فأصبحت الأنظمة عاجزة كل العجز في مسايرة شعوبها التي ــ والحمد لله ــ لا تزال حيّة، تنبض بالحياة والحيويّة، ذلك أن شبابها هو أحسن شباب في العالم، يتصف بالصبر والإيمان و الأمل، ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل!! لو كان هذا الشباب في الغرب لصنع منه المعجزات، ولو كان شباب الغرب في بلادنا لخربها تخريبًا بسبب تقاعس وعجز الحكام العرب على مسايرة طموحاته وآماله وأحلامه!!.


ولكن نحمد الله حمدًا لا ينقطع ما دام هناك على وجه الأرض من ينصر الحق بشجاعة دون خوف من الأعداء، ويصدح بالحق على مرأى ومسمع العالم كله، فهذه تركيا " أردوغان "، وهذا رئيس فنزويلا " شافيز" قد حفظا ماء وجه العرب من المحيط إلى الخليج، فالأول طرد سفير الكيان الصهيوني من بلاده في الوقت المناسب، والثاني هاجمها هجوما ناريًا، وعيّرها وذكرها بأجداده العثمانيين الذين رحّبوا باليهود في خلافتهم لاضطهادهم من قبل الغرب قبل العرب وخاصة من طرف ألمانيا!!.


فعندما يتعلق الأمر بالقضيّة المركزيّة، ألا وهي القضية الفلسطينية، فكل المبررات تسقط في الشارع العربي من حظر المسيرات ومنعها في كثير من الدول العربية، وخاصة الدولة المستبدة من جهة، والدول التي لا تزال تعيش في حالة الطوارئ من جهة أخرى!!.

فلم أجد في تاريخ الشعوب والأمم في السلم رئيسا لدولة عربية أو غربية، بقي في الحكم مدة طويلة من الزمن، وإلى يومنا هذا، وهو يحكم في ظل حالة الطوارئ بعد عقود من الزمن، إلى أن يقبض!! فيعبث بذلك بمشاعر الناس وأفكارهم وحرياتهم وطاقاتهم، فيمنع من يشاء، ويبطش بمن يريد إذا خالفه الرأي!! فقد استمعت بإمعان، وبكل جوارحي، إلى كلمات الرؤساء والأمراء والملوك العرب في قمة الكويت؛ فاستوقفتني كثيرا عبارة ذكرها الرئيس المصري (حسني مبارك) حيث زعم أن المقاومة الفلسطينية انطلقت من القاهرة، وهذا غير صحيح على الإطلاق، فهذا تجني على الحقيقة، فاسأل أصحاب الشأن من ظلوا على قيد الحياة، وأهل الذكر، وخاصة المؤرخين؛ يخبرونك دون مراء أن المقاومة، أيُّ مقاومة في العالم، قديمًا وحديثا، تنطلق من الداخل وليس العكس، وتتوسع وتنتشر في ربوع البلاد، ومن يقول عكس هذا فهو كاذبٌ، فهذا التيار الوطني والتحرري الفلسطيني له قادة وزعماء في الداخل والخارج، شأنهم في ذلك شأن حركة (حماس) التي ظهرت بعد حركة (فتح) وغيرها من الحركات الفلسطينيّة بعد مدة طويلة من الزمن. فأنت تجد اليوم قادة وزعماء كبار لحركة (حماس) في الداخل والخارج، وعلى رأس هؤلاء جميعًا (هنية) في الداخل، (مشعل) في الخارج، ذلك أن كل شعب على وجه الأرض خضع للاحتلال، وخاصة في العالم العربي، نجد قادة وزعماء الثورة أو المقاومة من هم في الداخل، ومن هم في الخارج، وكل منهم يقوم بدوره الحاسم نحو قضيته ووطنه وشعبه وأمته. وعندما يذهب وفد عربي إلى الشقيق الأكبر ليبشره بهذه الثورة أو هذه المقاومة، وخاصة (مصر) الشقيقة، يعتقد حكامها خطأ ،بعد اتفاقيات ــ كان ديفيد ــ أن هذه الثورة أو هذه المقاومة انطلقت من (مصر)، فكيف تكون مصر ضد الثورة والمقاومة حسب زعم الرئيس المصري حسني مبارك؟!! والحال أن مصر جمال عبد الناصر فقط هي التي كانت نحتضن هذه الثورة أو تلك، أو هذه المقاومة أو تلك ولا تتخلى عنها، رغم ضغوط الغرب، حتى تنتصر في الميدان نهائيا مثل ما كان الحال مع الثورة الجزائريّة!!.


وعندما خرجت مصر عن الصف العربي دون رضا العرب جميعًا، بما فيهم عناصر المقاومة الفلسطينية، فنقلت جامعة الدول العربية من (القاهرة) إلى (تونس) وخاصة بعد حرب(أكتوبر) حيث زار (أنور السادات) إسرائيل، فشق بذلك الصف العربي، وخاصة عندما أبرم معاهدة سلام مع الكيان الصهيوني المغتصب للأرض الفلسطينيّة، فضربت بذلك مصر عرض الحائط كل آمال وتطلعات الشعوب العربية في ذلك الوقت، وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني، بل أكثر من ذلك نجد هناك معارضة شرسة، وخلخلة في مواقف كثيرة من الشخصيات المصرية، فمنهم من سجن، ومهم من فرّ إلى الخارج. سعت مصر في ذلك الوقت إلى انفتاح كبير للاقتصاد المصري ــ على ضعفه ــ على العالم، وخاصة على الاقتصاد الإسرائيلي القوي، فنتج عن ذلك اضطراب كبير في الحياة الاجتماعية، وعندما حاول الرئيس المصري المغتال (أنور السادات) أن يشجع الإرادات الخيريّة في مصر أن تصبر وتثابر وتعمل دون كلل أو ملل حتى تخرج البلاد من هذا النفق المظلم الذي آلت إليه في ذلك الوقت، فهو قد وعد شعبه أثناء السلم، والابتعاد عن الحروب مع إسرائيل، كفيل بجلب الرخاء والازدهار ونحو ذلك إلى بلاده، إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث، فتوجّه إلى شعبه بكلمة مثل كلمة سلفه (مبارك) أن الثورة الجزائريّة انطلقت من (القاهرة) وهاهي تسير نحو التطور والتقدم بكل تبات، فردّت عليه الجزائر بكل قوّة؛ أن الثورة الجزائريّة انطلقت من الداخل لا من الخارج مع الشهيد (ابن بوليد، وعميروش، وابن مهيدي، وزيغود، ولطفي، وشعباني ... و ... و...ومن الشهداء، ناهيك عن الأحياء. والقادة والزعماء الذين زاروا القاهرة في ذلك الوقت، وفي عهد (جمال عبد الناصر)، هم في الحقيقة يمثلون القيادة السياسية في الخارج، وكان تحضيرهم للثورة من الداخل، فاعتقد الرجل (أنور السادات) أن الثورة الجزائريّة انطلقت من القاهرة، فلماذا يكذب الرئيس المصري (مبارك) على رؤساء العرب جميعا أن المقاومة الفلسطينيّة انطلقت من القاهرة؟! فهو مثل سلفه (السادات) الذي زعم أن الثورة الجزائرية انطلقت هي الأخرى من (القاهرة)!! بالإضافة إلى زعمه أنه الرجل الذي أوقف الحرب على (غزة)، وليست أمريكا !! .


وبعدما وضعت الحرب أوزارها في (غزة) وتكشفت جرائم إسرائيل البشعة، حاولت أطراف عربيّة كثيرة من محور الاعتدال، استغلال انتصار المقاومة استغلالا سياسيا، نزولا عند رغبة اليهود والغرب على حدّ سواء، فحاولوا، ولا زالوا، تغليب (عباس) على حركة (حماس)، فما روّج له في الصباح من مصالحة عربيّة، تبخر في السماء، والمشكلة ماهي الجهة التي ستبني (غزة) المدمرة؟ ومن يقوم ويشرف ويدير إعمار (غزة) التي تعرضت لدمار رهيب على يد آلة عسكرية لا نظير لها في المنطقة، والرابعة عالميا؟ هذا الدمار الرهيب الذي لحق (غزة)،يعود أساسا إلى تلك الأسلحة الجديدة الغريبة التي لم تستعمل في تاريخ البشرية من قبل، هذه الهجمة البربرية الهمجية التي حدثت على (غزة) برًّا وبحرًا وجوًّا، مسرحها من حيث المساحة عبارة عن عاصمة عربية، أو محافظة من محافظات الدول العربية الصغيرة، ورغم ذلك استعملت هذه القوة المفرطة الهائلة في وجه شعب (غزة) الأعزل، ويشهد بذلك العدو قبل الصديق، فكان الخراب والدمار والتقتيل والترهيب في كل مكان من أرض(غزة) فليس هناك مكان آمن فيها، لصغر حجمها بالقياس إلى القوة المفرطة المستعملة في الحرب على (غزة)، حتى مقرّات أممية إنسانيّة دكّت دكا، ولا تجد مع ذلك عاصمة غربية تندد بذلك، بل من زار المنطقة العربية أثناء العدوان يصرح على الملإ: أن أمن إسرائيل هو الأوّل، ولم يقل شيئا عن الأمن العربي، وهذا ما ذكره (ساركوزي) في القاهرة أمام حكام مصر!! فانكشفت بذلك صورة إسرائيل البشعة أمام الشعوب الغربية قبل العربية، ولأول مرّة من وجود إسرائيل في المنطقة، ذلك أن المشاهد يرى ولأول مرّة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي يجد الشارع الغربي والعالمي كله من الشرق والغرب يندّد بهذا العدوان الرهيب ضد الشعب الفلسطيني في (غزة)، فالعالم لم يعد مثلما كان عليه في السابق، فهو أصبح عبارة عن قرية صغيرة، ترى وتشاهد بالعين المجرّدة كل ما يجري على الأرض، فشاهدوا أشلاء أسر بأكملها تحت الأنقاض، وأطفال ونساء وشيوخ يموتون، وهم في بيوتهم لا يجدون وجهة أخرى، فكل شبر تحول إلى نار ودمار برًّا وجوًّا وبحرًا، فأين المفر؟!! ولا أحد يستطيع مع ذلك أن يسعف جريح، أو ينتشل شهيدا، حتى يلفظ أنفاسه. فكم من طاقم طبي استهدف بنيران العدو، فاستشهد وهو يؤدي مهمة إنسانية نبيلة، فهي حرب غير عادلة، وغير أخلاقية، فاستعمل هذا العدو أسلحة محرمة ضد المدنيين العزل من الفوسفور الأبيض، والأورانيور المستنفذ، وبعض الأسلحة الغريبة التي استعملت لأول مرة، وهي أسلحة رهيبة، فهي في الغالب تحدث نزيفا حادّا بعد الإصابة، ولا أحد بإمكانه من الأطباء استطاع أن يوقف هذا النزيف الحاد، ولم يعرفوا له مثيلا في مسار حياتهم المهنية!! في الشوط الإضافي، سارعت إسرائيل إلى الولايات المتحدة الأمريكيّة قبل شروع الإدارة الجديدة هناك في العمل، وقبل أن تنسحب من (غزة) وقعت معها أسوأ وأخطر اتفاقية على أمن (مصر) رغم أنها حليفة أمريكا وإسرائيل في كل شيء، فأدارا ظهرهما (لمصر) فجن جنون هذه الأخيرة،فرفضت دون تردد هذه الاتفاقية جملة وتفصيلا، ورغم ذلك راحت إسرائيل تعمق هذه الاتفاقية وتعززها أكثر فأكثر، فقد سارعت إلى الغرب لعقد اتفاق مماثل مع حلف (النيتو) ولم تكثر بموقف (مصر) وتعاونها الوثيق مع إسرائيل وأمريكا؟!.


والشيء الذي لم أصدقه، ولم يصدقه أحدٌ من الناس، وفي العالم كله ما ذكره الرئيس المصري (مبارك) عن فتح معبر (رفح) حيث ذكر أنه أمر بفتحه منذ اليوم الأول من العدوان الإسرائيلي على (غزة). والحق أن معبر (رفح) قد فتح، ولكن على الطريقة المصرية المعهودة، فالقاصي والداني، يعرف جيدّا ماذا تعني هذه العبارة في الشارع العربي، فكم من طبيب عائد من (غزة) والغربي قبل العربي، يشهد في تصريحاته أنه ظل أسبوعًا كاملا حتى يسمح له بالدخول إلى (غزة) ناهيك عن المواد الغذائيّة والطبيّة والإنسانيّة!! .


هذا الاجتهاد المصري حول اندلاع الثورات والمقاومات في العالم العربي من القاهرة، وفتح معبر رفح باستمرار يذكرني باجتهاد وزير الخارجية الأمريكي (كلون باول) في حربه على العراق حين راح يبيّن للعالم بالصور والأرقام أن العراق يستعمل مصانع كيمياوية متنقلة في شاحنات خاصة، فهي مصانع متنقلة، ونحو ذلك من الأكاذيب، ولما حطموا العراق وشعبه، ولم يجدوا شيئا مما زعم، استقال من منصبه، لأنه يعرف حق المعرفة بأن لا أحد في العالم بعد ذلك يصدقه، فجاؤوا (برايس)، ورغم لونها الأفريقي، وما كان عليه السود في أمريكا قبل الستينات، إلا أنها كانت أسوأ منه في عدائها للشعوب المغلوبة على أمرها، والنتيجة أن هؤلاء القادة جميعًا وخاصة (بوش) أوصلوا بلادهم إلى حافة الإفلاس، فخرجوا جميعًا من الباب الضيق، فهذا أكبر رئيس دولة في العالم يرجم رئيسه في العراق بالحذاء، فسخر منه الناس جميعًا، فأصبحوا يستعملون (الحذاء) تعبيرًا عن سخطهم واستنكارهم!! والغريب في الأمر أن هذا الرئيس خرج من البيت الأبيض بهذه الطريقة أيضا!! وهذا نائبه (ديك اتشيني) خرج من البيت الأبيض على كرسي متحرك...
توقفت الحرب على (غزة) وبقيت صواريخ المقاومة التي أحدثت هلعًا رهيبا في نفوس اليهود، وسيبقى هذا الهلع قائمًا ما دامت المقاومة بخير، وسينتقل ــ بإذن الله ــ في يوم من الأيام إلى الضفة الغربية، وفي انتظار ذلك اليوم ستدرك وتعرف إسرائيل أن السلم مع الشعب الفلسطيني هو أساس الحل قبل دول الطوق، لأن الأمور ــ كما يقول المنطق ــ بخواتمها، وليس ببداياتها.






الأستاذ:مومنـي عبــد العالـي

ثانوية بوالروايح- قالمة