مواهب وابداعات للأستاذ: مومني عبد العالي

مرحبا بجميع القراء الأوفياء

السبت، 26 يونيو 2010

غـــزة....و الظـــل الكبيـــر!!



الحديث عن القضية الفلسطينية حديث ذو شجون، فمنذ أن ضاعت فلسطين والعرب تراهم متفرقين مشتتين، لا متحدين مجتمعين، وملتفين حول قضيتهم المركزية ألا وهي القضية الفلسطينية، من المحيط إلى الخليج، كيف لا ؟ وأن الغرب الذي اضطهد اليهود قرونا طويلة، وطاردهم في كل مكان على وجه الأرض، فلم يجدوا مكانا يأويهم ويحميهم إلا العالم العربي والإسلامي، فاحتضن هذه الفئة من البشر، فتجد في كل مدينة من المدن العربية أو الإسلامية (زنقة اليهود)، أو(حارة اليهود) كالجزائر، والمغرب، وتونس، وليبيا، ومصر، واليمن، والعراق، وسوريا، وفلسطين، وهلم جرا. فلم يجد الغرب حلا لقضيتهم، والتي أرقتهم كثيرا، إلا بتصديرهم كالسلعة نحو المشرق العربي، في قلب الأمة العربية، وأمدوها بكل أسباب الحياة والقوة، وفي المقابل فتحوا أبواب جهنم في المنطقة العربية والإسلامية بهذا العمل المشين، فقد شردوا شعبا بأكمله، وطردوه من أرضه فلسطين، وأقاموا على أرضه اليهود المتواجدين في أصقاع العالم، وأطلقوا على هذا الكيان الدخيل على جسم الأمة العربية (إسرائيل).

فمنذ نكسة1948، والأنظمة العربية تستمد شرعيتها من القضية الفلسطينية، فكل حاكم رئيس كان، أو ملك، أو أمير، يتبنى أمام شعبه هذه القضية، وهي قضية العرب خصوصا والمسلمين عموما، فكان الزعيم العربي (جمال عبد الناصر) ظل طويل وكبير على الأمة العربية، بصرف النظر عن عقيدته، فالتف الناس حوله لتحرير فلسطين، حكاما وشعوبا، وكان الصراع آنذاك قويا وواضحا بين الشرق والغرب، بين الرأسمالية والاشتراكية، وهو الصراع الذي عرف (بالحرب الباردة) فتحررت كثير من الشعوب العربية من ربقة الاستعمار كالجزائر، وتونس، والمغرب، وليبيا، وزوال واندثار الانتداب البريطاني على المشرق العربي، إلا أن أذناب هذا الأخطبوط وعملائه، اندسوا في كثير من الأنظمة العربية، ولا أحد يستطيع في ذلك الوقت أن يميز بين الوطني والخائن، وبين الأصيل والعميل، لأن الشعار كان واحدا من المحيط إلى الخليج، ألا وهو (تحرير فلسطين) من البحر إلى النهر. فمات (جمال عبد الناصر) بعد نكسة 1967، فانحصر الظل شيئا فشيئا و تقلص، فلم تعد هذه القضية قضية العرب جميعا بل أصبحت قضية (دول الطوق)، وهذا يتجلى خاصة بعد حرب أكتوبر التي خاضها العرب، والشعب المصري، والسوري، بكل بسالة وشجاعة، وإرادة وتصميم على النصر! فما بدأه جمال عبد الناصر في إعداد العدة، وتجييش الجيوش، وإعادة شرف الأمة، أكمله (أنور السادات)، إلا أن هذا الأخير نسب هذا الانتصار العظيم الرائع إلى شخصه فقط، وكأننا عدنا إلى العصر الجاهلي لنرى تلك البطولات الفردية، والتي تتجلى خاصة عند عنترة بن شداد. فأصبح (أنور السادات ) بطل العبور، فأضفى على نفسه هالة من البطولة والخوارق، والمعجزات التي لم يسمع بها أحد من قبل، فاستفز بذلك كثير من مشاعر العرب والمسلمين، وخاصة عندما زار اليهود، وأبرم معهم معاهدة السلام، وبذلك أصبحت الدول المجاورة لإسرائيل تنتظر دورها في المحادثات والاتصالات الرسمية، بغية التوصل إلى معاهدة سلام منفردة، فطلب اليهود من دول الطوق أن يأتوه فرادى لا بصورة جماعية، فكان لهم ما أرادوا، وبالتالي كان دور الأردن مثلما كان الحال مع مصر، فأصبح الظل بذلك يتقلص شيئا فشيئا وينحصر كثيرا كثيرا،وضاقت دائرة الصراع، حتى خرج المرحوم (ياسر عرفات) من تحت الرماد، ليعلن عن اتفاقية (أوسلو)، فعاد الرجل إلى الضفة الغربية كأنه منتصر، واعتقد الناس أن القضية الفلسطينية قد وجد لها الحل في هذه الاتفاقية، وأن الكلام لم يعد قائما على فلسطين المحتلة منذ نكسة ونكبة1948، بل في الأراضي التي احتلت من جديد عام1967، ورغم هذا التنازل الخطير من الحكام العرب جميعا، إلا أن اليهود لم يقدموا شيئا للشعب الفلسطيني في هذه الأراضي الجديدة، وفي مكانين منفصلين: الضفة الغربية من جهة، وقطاع غزة من جهة أخرى. ترى؟! من هو مهندس اتفاقية (أوسلو) مع اليهود؟! إنه الرئيس الفلسطيني الحالي (محمود عباس). وماذا فعل اليهود، ومن ورائه الغرب (بياسر عرفات)؟! هذا الظل الكبير الذي كان يمتد من المحيط إلى الخليج العربي، حاولوا تقليص صلاحياته، وجعلها في يد رئيس الحكومة، ليتعامل معه اليهود، والغرب، والعرب، على حد سواء!! فعينوا مهندس اتفاقية (أوسلو)، - والذي لم يحقق شيئا - رئيسا للحكومة رغم أنف (ياسر عرفات)، فلم يعد ظله يتعدى ظل حركة (فتح)، بل قل أصبح ظله لا يتعدى قامته، وأصبح لا يمثل كل الشعب الفلسطيني لا في الداخل ولا في الخارج، ناهيك عن العرب والمسلمين جميعا. فرئيس الحكومة يتمتع بصلاحيات كبيرة، لأن النظام أصبح برلمانيا لا رئاسيا، هذه الصلاحيات الكبيرة فرضها اليهود، والغرب، والعرب، على الشعب الفلسطيني،فدخلت حركة إسلامية جهادية على الخط، ولأول مرة وهي(حركة حماس)، لتجر البساط من تحت أقدام رئيس الدولة بعد وفاة (ياسرعرفات)، فخاضت انتخابات ديمقراطية على مقاس الغرب، ورغم انحياز الغرب لحركة (فتح)، وهي حركة مشهودة لها في التاريخ الفلسطيني – بالمال والإشهار والدعاية، إلا أن حركة (حماس) فازت في الانتخابات فأصبح رئيس الحكومة من هذه الحركة، ومن هنا فكر الغرب والعرب – وهم الحكام طبعا – أن يقلبوا الطاولة في وجه حركة (حماس) على اعتبار أنها خطر عليهم جميعا!!، فكان بذلك حصارا وتجويعا وتقتيلا لشعب غزة المغلوب على أمره من العرب قبل الغرب لاعتبارات واهية لا أساس لها من الصحة.

فأصبحت القضية عند العرب على اختلافهم في ذلك هي قطاع غزة، وشعب غزة، أما القضية الفلسطينية بمفهومها التاريخي والحضاري والإنساني فلم تعد قائمة عند الحكام العرب، بل أجزم أن من الحكام العرب من باع القضية الفلسطينية بالدولار مثلما بيع من قبل العراق عن طريق مسح المديونية والمساعدات المالية لهذه الدولة أو تلك التي شاركت في الحرب ضد الشعب العراقي الشقيق!! والأغرب من هذا كله لا تنعقد قمة عربية طارئة لدراسة الموقف، فإلتف بعض من الحكام العرب على انعقادها، وعندما أصر بعضهم - على قلتهم - لانعقادها، رأينا دعوات ثلاث، لقمم ثلاث، في عواصم ثلاث!!!.

فهل من ظل كبير يحمي الفلسطينيين، والقضية الفلسطينية من جديد، من أمثال (جمال عبد الناصر)،و(ياسر عرفات)،و(هواري بومدين)،و(الملك فيصل)؟!! والجواب نجده لا محالة عند الشاعر طرفة ابن العبد في معلقته المشهورة:

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك بالأخبار ما لم تزود

الأستـاذ: مومنـي عبد العالـي

ثانوية بوالروايح- قالمة-