مواهب وابداعات للأستاذ: مومني عبد العالي

مرحبا بجميع القراء الأوفياء

السبت، 26 يونيو 2010

بين غزة النار...وكويت الدمار!!:



الشعوب العربية منذ أن وجدت في العصر الحديث كأنظمة قائمة وهـي مغلوبة على أمرها، فاستيقظت من سباتها العميق على دعوة جمال الدين الأفغاني، ونداء محمد عبده، وصيحة ابن باديس، ومنذ ذلك الوقت والشعوب تنتظر من حكامها أن يخرجوها من الظلمات إلى النور، ومن التخلف والانحطاط إلى التقدم والازدهار، فكل حاكم يأتي ببرنامج يمنّي من خلاله شعبه بالرخاء والسعادة والهناء، وما تكاد عهدته تنتهي حتى يزعم أن برنامجه لم ينته بعد، وأنه في حاجة إلى عهدة جديدة،فيلبّي الشعب النداء،ويحقق مطلبه،وما تكاد تنتهي العهدة الأخيرة حتى يطالب بعهدة ثالثة ورابعة وخامسة وسادسة...إلخ. فيجثم على الأمة وكيانها وجسمها، فيحس الشعب كأنه يختنق تحت أثقال شتى من الأزمات والمحن التي لحقت بهذه الأمة أو تلك، هذا الاختناق يشبه إحساس مريء القيس حين لم يقو للثأر لأبيه الذي قتل من طرف خصومه، فطاف مشارق الأرض ومغاربها طلبا لنصرته، فلم يجد لا القريب ولا البعيد يناصره على ذلك بما فيهم الروم، فقال وهو يتألم أشد التألم، خاصة أثناء الليل:-
وليل كموج البحر أرخى سدوله علــي بأنــواع الهمــوم ليبتلــي
فقلت له مــــا تمطــــى بصلبــه وأدرف أعجازا ونـاء بكـلـكــل
ألا أيها الليل الطويل ألا أنجــل بصبح وما الإصباح منك بأمثل
فيالك من ليــل كـــأن نجومـــه بكل مغار الفتل شدت بيذبــل !!

ما أشبه اليوم بالبارحة!! فالعرب هم العرب، ما زال أغلب حكامهم يفكرون بهذه العقيدة التي آمنوا بها منذ العصر الجاهلي، فلو لم يبعث فيهم الله عز وجل نبيا كريما لهدايتهم، وهداية الناس جميعا، لكانوا من أرذل وأخطر وأبشع الحكام على وجه الأرض!! فالله عز وجل يقول في كتابه العزيز: ((إنما المؤمنون إخوة))هل تجد الشعوب العربية هذه المودة والمحبة بين الحكام العرب؟! ويقول تبارك وتعالى: ((واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا))هل الحكام العرب متحدين فيما بينهم لنصرة الحق، أينما كان وأينما وجد؟!. وقال عز وجل في محكم تنزيله: ((أشداء على الكفار، رحماء بينهم))، فعندما أقرأ الآية الكريمة، وأستعين بجميع تفاسير الفقهاء، وحتى المستشرقين أعداء الأمة، أجد مفهوما واحدا لهذه الآية الكريمة،أما العرب المسلمين كأنهم قرؤوها بالمقلوب،فتراهم أشداء بينهم،رحماء على الكفار ذلك أن العرب تأثروا بالغرب كثيرا نتيجة الصداقة القائمة بين حكامهم وحكام الغرب، والمخالطة الكثيرة، والزيارات المتكررة، والعهود والمواثيق والاتفاقيات السلبية بينها وبين الغرب، حتى أصبح الحكام عندنا مثل حكام الغرب في الكذب والنفاق والخداع والمتاجرة بالشرف ونحو ذلك. فالمنطلق أصبح مقلوبا في وضح النهار، فيتحول الحلال إلى حرام ،والحق إلى باطل، والكذب إلى صدق، والخديعة إلى وفاء، وهلم جرا،... فأنت تجد من المحيط إلى الخليج، إذا ظهرت أزمة أو قضية أو مشكلة بين الحكام العرب، تحل هذه القضية أو تلك بالقوة والعنف، والمواقف العدائية، وقطع العلاقات الدبلوماسية، ونحو ذلك من الإجراءات الرادعة التي لا مثيل لها. أما إذا تعلق الأمر بدولة غربية، فتجد الحاكم العربي متحضرا في سلوكه مع هذه القضية أو تلك، يخاطب المعتدي على شعبه وأمته بلين ورفق، يستجدي الغرب في السر أن لا يكشفوا عوراته، ويبيع شرف أمته عن طريق اتفاقيات سرية ومعلنة، كل هذا و أكثر لكي يبقي الغرب على هذا النظام الحكام أو ذاك في سدة الحكم.
فانظر إلى أزمة الكويت الشقيقة حين ظلمت من طرف النظام العراقي السابق، وكانت في ذلك سببا في شق الصف العربي، ولكل حجته ورأيه، فسارع العرب على إخراج العراق من الكويت بكل ما أوتوا من قوة مادية ومعنوية، واستعانوا بالغرب في تحقيق مطلبهم، وزجوا بجيوشهم لتحارب الجيش العراقي، فكان في الجبهة الجيش المصري والسوري والسعودي والمغربي، ووو... بكل ما يملك هذا الجيش أو ذاك من أسلحة فتاكة، وصواريخ دكاكة، وطائرات فتاكة، فأعادوا العراق وشعبه الجريح إلى الوراء لعقود طويلة من الزمن، إذا لم نقل قرونا. فتخلصوا جميعا، عربا وغربا ويهودا، من النظام العراقي، وحزب البعث العراقي، فهل من تعويض للشعب العراقي الذي لا يتحمل أخطاء حكامه؟ والجرح العربي ما زال عميقا لم يندمل، فظهر جرح أعمق في قطاع (غزة) من أرض فلسطين، فاختار حكام العرب مع إسرائيل مبدأ جديد بعد خروج مصر من الصف العربي ألا وهو((الأرض مقابل السلام)) فتبنت جميع الأطراف هذا المبدأ، بعد التخلص من النظام العراقي، فكان مؤتمر(مدريد)، فمن ذلك الوقت والمفاوضات العلنية والسرية تدور بين العرب وإسرائيل، فوجد الفلسطينيون أنفسهم في طريق مسدود بعد هذا المشوار الطويل، فما العمل؟ فهناك من ظل يتشبث بالخيار الأول كحل للقضية الفلسطينية، والجميع يعرف حق المعرفة أن ما تفرضه إسرائيل بإيعاز من دول معروفة أنه أصبح استسلاما وليس سلاما، ولا تسمح إسرائيل بوجود دولة فلسطينية جنبا إلى جنب معها، تعيش في سلام ووئام!! فظهر التيار الإسلامي كقوة بديلة للتيار الوطني الذي لم يحقق شيئا منذ مؤتمر (مدريد) إلى يومنا هذا، ناهيك عن المكائد والدسائس التي تجلت واضحة في هذه الفترة!! اختار الغرب قبل العرب رئيس فلسطين في الضفة الغربية، وفازت (حماس) في الانتخابات البرلمانية عندما أصبح الحكم برلمانيا، نزولا عند رغبة الغرب قبل العرب، وذلك لسحب البساط من تحت أقدام المرحوم (ياسر عرفات) فكان لهم ما أرادوا، ورغم ذلك فازت(حماس) وشكلت حومة السيد(هنية)، فغاظ ذلك اليهود والغرب والعرب على حد سواء، فكانوا أشداء على شعب غزة،رحماء على إسرائيل، فحاصروه، ومنعوا عنه الطعام والدواء،ونحو ذلك،... فكان الحصار رهيبا، لم نره من قبل، من البحر والبر والجو. هل يبقى شعب بأكمله يموت جوعا، ونقبل بهذا المبرر أو ذاك؟! فهل يقبل أي حاكم في العالم كله أن يبقى مكتوف الأيدي، ويموت شعبه جوعا، ولا يحرك ساكنا؟ّ! فلا بد من مخرج لهذا الشعب، وعندما تواطأ عليه القريب قبل البعيد،والصديق قبل العدو، ومن العرب قبل الغرب، أطلق هذا الشعب الأبي من غزة تلك الصواريخ المحدودة التدمير جدا على إسرائيل، رغم الهدنة التي كانت قائمة، ولم يسع أحد من العرب أو الغرب مطالبة اليهود بالالتزام ببنود هذه الهدنة التي لم يطبق منها شيئاً!! فعرف شعب غزة، وحكام غزة، أن هذه مكيدة وخيانة من اليهود أولا وبعض الحكام العرب والغرب على حد سواء!! فكانت المقاومة خيارا استراتيجيا للخروج من هذا النفق المظلم الرهيب، فوقف بعضهم في صف إسرائيل ضد المقاومة بكل ما يملكون من قوة، فشعب غزة يذبح ويحرق ويقصف، ويدك في وضح النهار، وأمام مرأى العام، والعرب يتلكأون حتى يموت شعب غزة، فأصبح شعب غزة شعب شرف وعزة، بهذا الصمود الرائع، والثبات القائم، والإيمان بالنصر الذي لم تحققه الجيوش العربية مجتمعة في يوم من الأيام بعد نكسة1948 إلى يومنا هذا.
والنتيجة التي حصدها الحكام العرب أنهم جرحوا الشعب العراقي جرحا عميقا مازال دمه يسيل إلى الآن، وهو في رقبتهم جميعا، والكويت الشقيقة عانت ما عانت من النظام السابق للعراق، فضاعت أموال طائلة لتحرير الكويت، والآن شعب غزة تحت النار والعار والدمار والحصار ولا أحد من حكام العرب جاد في نصرة هذا الشعب الضعيف الصغير المغلوب على أمره أمام القوة الجبارة الهائلة لإسرائيل مثلما فعلوا لتحرير الكويت، بل نرى بعضهم يعانق بحرارة هذا الحاكم الغربي أو ذاك، ويستقبلون اليهود على أراضيهم، سرا وعلانية، ولا يستقبلون علماء الأمة!! فهناك حاكم عند تحرير الكويت كان ناطقا رسميا يتكلم نيابة عن أمريكا والغرب مقابل ملايير الدولارات، وها هو الآن يتكلم نيابة عن اليهود، صباح مساء، ولا نعرف حتى الآن مقدار هذه الصفقة الرخيصة في العلاقات الدولية المفلسة، بل راح يقدم مبادرة باسم شعبه، وهي في الحقيقة مبادرة (ساركوزي) في الأساس!!
فلماذا لا يقول قادة العرب لإسرائيل في وضح النهار، ودون خوف أو وجل منها: العين بالعين، والسن بالسن، والبادئ أظلم! فغزة المجروحة لا تنتظر شيئا من القادة الذين يصدق فيهم قول الشاعر:
من يهن يسهل الهوان عليه مــا لجــرح بميــت إيــلام

قدم العرب مبادرة سلام لإسرائيل، اقترحتها السعودية، فكيف رد عليها (شارون) المجرم؟! فالجواب تجده خاصة عند مصر والسعودية ، لأنهما شجعا العرب جميعا على تبني هذه المبادرة، ومازالا حتى الآن يتشبثان بها،والتي ولدت ميتة من البداية، بسبب عدوان (شارون)على الأمة في ذلك الوقت، والدليل على ذلك: ماذا قدم الغرب وإسرائيل للعرب، والقضية الفلسطينية بالخصوص، من قمة (مدريد)، مرورا بالمبادرة العربية للسلام، إلى نكبة غزة؟!!. فالرهان على أمريكا وإسرائيل لحل القضية العربية المركزية، هو رهان فاشل ومكشوف لدى الخاص والعام عند جميع الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج!!.
وأريد أن أنوه هنا: أن أعظم شعب عربي إسلامي على وجه الأرض، هو الشعب المصري الشقيق، فتحية لهذا الشعب العظيم من شعب الجزائر البطل الكريم، شعب الأمجاد والثورة والتاريخ!! والشعب السعودي هو روح هذه الأمة وكيانها، فثناء منقطع النظير لهذا الشعب الأصيل من شعب الجزائر الأبيّ. وهذا هو الأساس، والحديث في ذلك كله قياس .


الأستـاذ: مومنـي عبد العالـي
ثانوية بوالروايح سليمان - قالمة -