لا يختلف اثنان في تاريخ الأدب العربي خاصة، والأدب الإنساني عامة، قديمًا وحديثا، حول الأديب والشاعر الانجليزي الكبير (وليم شكسبير) على أنه يعدّ من أكبر وأشهر وأعظم كتّاب المسرح العالمي، فقد شغل الرجل الناس في زمانه بتلك الرّوائع الجميلة الخالدة، والأعمال الجليلة الرّائعة، والتي لا زالت إلى يومنا هذا من أهم وأحسن الأدب الانجليزي، وبدائعه وروائعه، وهي أعمال ذات شهرة عالمية مثل مسرحية (عطيل) و(هملت) و(يوليوس قيصر)و(مكبث) و(روميو و جولييت) و (كليوباترة) و (ترويض الشرسة) و (تاجر البندقية) وغير ذلك من المسرحيات الرائعة الجميلة الخالدة لهذا الشاعر الفذ، والأديب الألمعي، والكاتب الموهوب، الذي عرفته (بريطانيا) في فترة من فترات تاريخها الطويل، وأصبح بذلك حديث الخاص والعام في مشارق الأرض ومغاربها، كيف لا؟ وهو من أكبر وأعظم وأحسن شعراء الشعر المسرحي إلى يومنا هذا، وهو أوّل من استعمل تلك العبارة المشهورة التي لا زالت ترن في آذاننا، والتي ظل يرددها العشاق جميعا على وجه البسيطة إلى يومنا هذا<< الحب أعمى >> (01).
فما هي صورة اليهودي ــ يا ترى ــ عند الغرب، وخاصة في فترة وتاريخ وعصر وليم شكسبير؟ ولماذا كان الغرب ـ وخاصة ألمانيا وروسيا وفرنسا وبريطانيا ــ يكرهون اليهود ويزدرونهم في ذلك الوقت كرها شديدا، وازدراء لا نظير له، فلا ترى مثله عند بقية الشعوب الأخرى، وخاصة الشعوب العربية و الإسلامية؟! وكيف تغيرت هذه الصورة النمطية لليهود عند الغرب بعد الحرب العالمية الثانية خاصة؟! ولماذا عاش بعض اليهود مع العرب والمسلمين في سلام ووئام قبل اغتصاب فلسطين؟! ولماذا انقلبوا على العرب و المسلمين بهذه الصورة؟! للإجابة على هذه الأسئلة، أودّ أن أكون منصفا مع نفسي إلى أبعد حدّ ممكن، ولا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن أنقاد وراء أهوائي وعواطفي أو نوازعي، مهما كانت الأسباب والظروف، رغم هول الكارثة، وعمق الجرح، ووطأة المأساة، وبعد تفكير يخلو من أيّ تردد، وبعدما تخمّرّت في ذهني الفكرة طويلا، كل ذلك لأخرج بصورة واضحة جلية لا غبار عليها، بعيدة عن الإجحاف والأحقاد عن اليهود الذين عاشوا مع الغرب، وخاصة أوروبا، في الظلم والاستبداد والقهر ونحو ذلك من الصور المشينة السّيئة التي تعرض لها اليهود من قبل الغرب، والتي توّجت في النهاية بما يعرف حاليا<<بالهولوكست>> والتي تعرض لها اليهود من طرف ألمانيا النازيّة أثناء الحرب العالمية الثانية!!.
ومسرحية الأديب والشاعر الانجليزي الكبير (وليم شكسبير) المعروفة تحت عنوان << تاجر البندقية >> تعدّ من أروع و أحسن و أجمل مسرحياته، ذلك أنها تصور اليهودي عند الغرب تصويرا أمينا صادقا، لا افتراء فيه،فهي مرآة تعكس بوضوح وجلاء صورة هذا اليهودي أو ذاك،دون زيادة أو نقصان،أو مبالغة.وفحوى المسرحية أن البطل (أنطونيو) تاجر كبير من تجار مدينة (البندقية) بإيطاليا، وغنيّ من أغنيائها الكبار، جازف بكل أمواله التي يملكها في التجارة، حيث أبحرت عشرات سفنه في مشارق الأرض ومغاربها مثل طرابلس، والمكسيك، وانجلترا، ولشبونة، والهند، ونحو ذلك من الأماكن التجارية في العالم، وهو في هذا الحال يحسّ ويشعر بالكآبة، وهو يزعم أنه لا يعرف مصدرها، أما القارئ فيعرف حق المعرفة أن مرد هذه الكآبة والقلق والاضطراب الذي ينتاب البطل (أنطونيو) يعود أساسا إلى الخوف الشديد من هذه المجازفة بأمواله كلّها بسبب الاضطرابات الجويّة، وتلك الأمواج العاتية، ناهيك عن قراصنة البحر وقتئذ. و (أنطونيو) ــ هذا الرجل الشريف ــ له صديق حميم، لا يشبه كل الأصدقاء، اسمه (بسانيو)، فمنذ الطفولة والدراسة وهما يتصفان بالصدق والوفاء و الإخلاص والأمانة مع بعضهما بعض، هذا الصديق العزيز ضيّع كلّ أمواله وثرواته في البذخ والترف واللهو، وأصبح مع ذلك مدانا بأموال طائلة من أصدقائه، وخاصة صديقه الحميم (أنطونيو). وهناك امرأة غنية، رائعة الحسن والجمال، يسعى الكثير من الأغنياء في العالم لخطبتها: من فرنسا، وانجلترا، واسكتلندا، وألمانيا، ونحو ذلك من الخطاب الذين يترددون ويتنافسون على خطبتها، حتى قالت عن هذه الزحمة في الخطّاب لها: << فواعجباه ! ما إن نغلق الباب وراء أحد الخطاب حتى يصل خاطب جديد ويقرعه >>(02) .
ومن هؤلاء الخطاب أيضا (بسانيو) الصديق الحميم (لأنطونيو) الذي راح هو الآخر يتنافس مع المتنافسين على خطبة (بورشيا) والتي ترك لها والدها وصيّة غريبة حتى تتزوج من هذا الخطيب أو ذاك، وهذا عن طريق <<الاختيار>> فكل واحد يتقدم لخطبتها عليه أن يختار صندوقا واحدا من ثلاثة (الصندوق الذهبي، والفضي، والرصاصي) إذا فتحه أحد الخطاب، ووجد فيه صورة الحسناء (بورشيا) فهو الرجل الذي تتزوج منه نزولا عند وصيّة والدها، أمّا إذا أخفق، فعليه أن ينصرف فورا، ولا يعود لخطبتها مرّة أخرى. طلب (أنطونيو) من صديقه (بسانيو) أن يذهب مسرعا إلى مدينة البندقيّة، ويستدين من المال كل ما يحتاجه باسمه، لأنه جازف به جميعا في تجارته، وأن يتوجه فورا لخطبة الحسناء (بورشيا) التي يتنافس عليها الملوك و الأمراء والأغنياء الكبار في العالم، أما المال الذي يقرضه فسيعاد إلى صاحبه بعد عودة البواخر التجارية بعد أسابيع، ففعل الشاب ذلك، واستدان مبلغا كبيرا من اليهودي (شايلوك)، وذهب للتو إلى خطبة الحسناء (بورشيا)، وأثناء الاختيار يعثر (بسانيو) على صورتها، فلم تتردد هي الأخرى في قبول الزواج منه .
في هذه اللحظة السعيدة بالذات يدخل رسول من صديقه (أنطونيو) ليخبره أن يلحق صديقه هذا على الفور، وعلى عجل، لكي يراه قبل أن يموت!! فتجارته ضاعت، وتحطمت البواخر التجارية على الصخور بسبب العواطف العاتية، واليهودي (شايلوك) يطالبه بأمواله عن طريق العدالة، ومن شروط السند ــ بالإضافة إلى المال عن طريق الفائدة ــ أن يقطع اليهودي من جسم (أنطونيو) رطلا من اللحم الذي يختاره اليهودي دون سواه.
فيلحق به صديقه (بسانيو) على عجل رغم أشغاله بمراسيم الزواج في ذلك اليوم، ورغم محاولاته العديدة لثني اليهودي عن مطلبه الجائر، وشرطه القاسي، وتدخل كثير من الناس الوجهاء، وأعيان المدينة الكبار، إلا أن اليهودي أصرّ على تنفيذ مطلبه كاملا دون نقصان!! فتدخل زوجة (بسانيو) متنكرة في زيّ قاض مشهور في المدينة، فراحت ترافع لصالح الضحيّة (أنطونيو)، وتوصّلت بذكائها وفطنتها إلى أن السّند يبيح حقا بقطع رطل من اللحم، لكن بشرط أن لا تسيل ولو قطرة واحدة من دم الرجل (أنطونيو)!!وبعد أخذ وردّ يخضع اليهودي ويذعن لشروط المحكمة، ويأخذ أمواله فقط على مضض وينصرف.
هذا اليهودي عنده خادم اسمه (لانسلوت) فكر كثيرا في الهروب منه، لأنه يعامله معاملة قاسية مشينة، ليس فيها من الإنسانية في شيء، فلا يقدم له الطعام إلاّ النزر القليل، واليهودي يراه كثيرا، فكاد الخادم يموت جوعا، حتى من يراه يستطيع أن يحصي ضلوعه بسهولة. وفي إحدى شوارع البندقيّة نشاهد والد الخادم وهو رجل كفيف، طاعن في السن، يبحث عن منزل ذلك اليهودي الذي أحضر له بعض الهدايا رغم فقره الشديد، وهي طيور من الحمام، ذلك أنه ساعد ابنه أن يكون خادما عنده. أمّا ابنة اليهودي (شايلوك) واسمها (جيسيكا) فهي تحب الشاب (لورنزو) حبّا جمّا، وهي تفعل ذلك لكي تتخلص من والدها اليهودي، والذي تكرهه كرها شديدا، وفي أحد الأيّام تخرج من النافذة عند غياب والدها، وتأخذ معها أموالا وثروة طائلة لأبيها وتهرب مع عشيقها. وعندما علم والدها بذلك جن جنونه، وثارت ثائرته، حتى أصبحت الصبية في الحيّ تسير وراءه في كل مكان، وهم يردّدون قائلين له: << حجارته الكريمة، ابنته، دوكاته...>>(03).
وهــكذا تنتــهي القصـــة نهاية ســـعيدة بعــد جمع شــمل الأحبـّة (بسانيو) و(بورشيا) من جهة، و(لورنزو) و(جيسيكا) مــن جهة أخرى، وعودة بعض سفن (أنطونيو) سالمة، ونجاته من قبضة اليهودي (شايلوك).
فمــا هي صـــورة اليهودي عنــد الأديب والشـــاعـر الإنــجليـزي الكبير (شكسبير)، ومــن خلاله الغــــرب المسيحـي عمومــا؟! إنه يكــره النــاس كرهـــا شديــدا، ويحب المال حبا جما، فاليهودي يرى الناس كلهم أعداء له، بـــل البشرية قاطبـة، ذلك أن جميـــع الديانــات السماوية تحـــرم الربا، وهــذا اليهــودي يــحب المـــال كثيــرا، ويريد أن يقرض الناس بفوائد كبيرة، حتى يزداد ماله أكثر فأكثر، ويصبــح مــع ذلك أكبـــر الأغنياء والأثريــاء في العالم كــله. فالــمال هو عصب الحياة، ومــن يتحكم فيــه يتحكـــم فــــي رقــاب الناس، وهـذا ما نلحظه بوضوح وجلاء عندمــا يقــول عن المسيحــي الغربي (أنطونيو)، مناجيا نفسه، وهــو بذلك يكشف عن نفسيته الشريرة، التي تنــم عــن الأحقاد الدفينة بين اليهود والمسيحيين على لسان شكسبير: << يبدو كأنه ذليل، فكم أكرهـــه! وإني لأمعــن في كراهيتـه لكونه يقرض أمــــواله للناس بكثرة ودون فــائدة، الأمر الــذي جــعل نسبة الفائدة تتدنـــى في البندقيـة. فلو استطعت الإيقاع به مــرة لشفيت غليلي منه تجاه أحقادي الدفينة.فهــــو يبغض عنـــصرنا المقدس. ويتهكم علي، حـــتى في موضع احتشاد التجار، ويقول بــأن مــا جمعتــه من المال بكدي وتعبي، إنمـــا هــــو حاصل عن طريق الربا.لعن الله عنصرنا أن أنا سامحته على ذلك القول>>(04).
فما هي قصة اليهود مع المال يا ترى؟!فالمال- كما قلنا- هو عصب الحياة، لهذا ترى اليهود في أغلبهم تجار أغنياء منــذ القدم، فهم بذلك يسيطرون على المال سيطرة تامة، فمال الدنيا أغلبه في يد اليهود. والغريب في هذا كله أن كل دولة في العالم، متقدمة أو نامية، تملك بنكـــا مركزا تابعة لهذه الدولة أو تلك، وخاصة مثل الدول الغنية مثل فرنســا، وألمانيـــا، وبريطانيـــا، واليابـــان، والصــين، باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية، فالبنك المركزي ملك للخــواص وخاصة اليهود الذين يتحكمون في الدولار، ويتلاعبون بقيمته كيفما شاءوا وأرادوا. بــــل أكثر من ذلك أن الربا بلغ ذروته، فكثيرا من الشعوب والدول المغلوبة عـلى أمرها تجمع أموالا طائلة لتدفع فوائد هذه المديونية، وتــبقى هذه الأخيرة كما هي، فترهن بذلك شعبها ومجتمعها ومستقبلها بهذه الطريقة، ناهيك عن الجهة التي لا تقوى على دفع فوائد الدين!! وهذا مـــا أدى بــالعالم المعاصر إلـــى هذه الأزمة المالية العالمية المدمرة للبشرية قـــاطبة، لـــم ينج منـها الغني والفقـــير، القوي والضعيف، حــيث لا تجد الاقتراض بالفوائد فقط، بل الدين يــباع أيضا والفوائد تبــاع، وأموال وهمية تباع، فأصبح كل شيء يباع في السر والعلانية، لهـــذه الأسباب وغــــيرها كان ومازال اليهود، قديما وحديثا، يحبون المال حبا جما، فسيطروا على العالم بمالهم وثروتهم وغناهم، وأحاطوه بسياج من الدعاية المتمثلة فــــي الإعلام القوي، والذي لا تجده إلا عند اليهود، حيث يؤيدون كل من هــو موال لهم، ويخدم مصلحتهم، ويسقطون عـــن طريق هذا الإعلام القوي كل شخص مـــعاد لهم، أو يتطاول عــليهم في كل زمـــان ومكــان في العالم كله، بمـــا فيه العالم الغربـــي المسيحي حـتى وإن كان في وطنه!!.
فكيف لا يستطيع الإنسان رؤية اليهودي علــــى صورته الحقيقيـــة يـــا ترى؟! إنه النفاق، فاليهودي عادة يتصف بصفــات خطيـــرة على البشرية جمعاء مثل المكر والخديعة، والإيقاع بالآخـر، والمكائـــد والدسائس، فلا تجد مشكلة في العالم كله إلا وراءها اليهود، فهـو يظهـــر للناس عكس ما يبطن، فكثيرا ما تكون المظاهر خداعـــة كمـــا يقــــال، ألم يقـــل (انطونيو) لصديقه الحميم (سبانيو)عن اليهودي(شايلوك)؟! :<< اسمع يا صديقي، إن هذا الشيطـــان بوسعــــه أن يأتـي بمزامير من صلب الكتاب المقدس، كي يبرر فعله هذا.فعادة الشخـص الشريـــر، يعمد إلى مثل هذا العمل. فيبدو كأنه شرير بوجه ضاحــك، كالتفاحــــة الخلابــــة المظهر والفاسدة اللب>> (05).
والفؤاد عند الإنسان هــو منبع المشاعر المختلفة: الحب والكره، الخيـــر والشر، الفضيلة والرذيلة، ونحو ذلك من الصفات التـــي أودعهـــــا الله في خلـــد الإنسان، أما اليهودي فقلبه قاس كالحجر، لا يلين عـلى الإطلاق، فكل مسيــحي في ذلك الوقت الذي عاش فيه شكسبير يراه كالشيطان في ثوب البشر،ومرد ذلك إلى أفــعاله وتصرفاته وســلوكاته الشـريرة مـع كل النــاس، وهــا هـو خادمه الفقيــر (لانسلوت) يريد الفرار من سيده اليــهودي (شايلوك)، <<فلـــحيته مــا عليها من شعر يفوق ما على ذيل حصان عربتي>>(06).
فقد تغير الولد المسكين كثيرا، فحين التقـى بوالده الكفيف فقــال له عــــن هـذا اليـهودي: <<فهو رجل قذر، وتود أن تقدم له الهـــدايا؟ إنـه يكاد يميتني من الجــوع. فـهيا أنظر إلـى جــــسدي، إذ بــاستطاعتك أن تــحصي أضلاع صدري بأناملك....>>(07). ألــم يـــقل الــولد المســكين (لانسلوت) عــن سيــده اليهودي (شايلوك) بــالحرف الــواحد: << إن ظللت هنــا فســــأظل مع اليهودي الشيطان المجسم في هيئة إنسان...>>(08).
وانظر إلى ابنة اليهودي (جيسيكا) فهي تحس وتشعر بالعار أمام الناس على أنها ابنة هذا اليهودي، هذا النوع من الإحساس لا تجده إلا عند اليهود، ورغم هذا الإحساس الغريب، (فجيسيكا) تعزي نفسها على أن طباعها تختلف كل الاختلاف عن طباع والدها، فاستمع إليها ماذا تقول عن والدها اليهودي (شايلوك): << إنني لأحس بالعار دون ريب من أنني أنتسب إلى والدي هذا. غير أن طباعي لتختلف عن طباعه السيئة بالرغم من أنني من لحمه ودمه >>(09). وأكثر من ذلك فهي تريد أن تعتنق المسيحية عندما تتزوج على أن تبقى يهودية، لأن كل يهودي مثل والدها، لا يشرفها بأعماله ودسائسه ومكائده السيئة المشينة!!.
وعندما يقع خصم اليهودي في قبضته تراه يفصح بـوضوح وجلاء عــن نفسيته الشريرة، وكيف كان يناجي نفسه لو يقع هذا الخصم بين يديه في يوم مــن الأيام، وهـاهو (أنطونيو) يحتـاج إلــى المال لــصديقه الحميم حتــى يتقدم لخــطبة الــحسناء(بورشيا)،أما اليهودي فيفرغ شــحنته المليئة بــكل المشاعر الخبيثة، والأحــاسيس الدنيئة والعواطف الحقيرة،خــاصة في وقت الــظروف الــصعبة التي يحتــاج إلــيها الإنســان للـمال والمساعدة، في هذه اللحظة بالذات ينهال عليك اليهودي، ولا تجد الرحمة والشفقة طــريقا إلـى قلبه إطــلاقا، فاستمع إلــى هذا اليــهودي حــين يخاطب هـــذا الرجل المــسيحي (أنطونيو): << عـجبا يا ســيد أنطونيو! ألم تذكر كم مرة سخرت مـني أمـام مجمع من التجار، وذلك بــداعي الــطريقة التي استــخدم بـها أموالي! وكنت تراني صابرا على الدوام، ذلك أن الصبر هو شعار ملتنا بوجه عام. إنـك تدعوني كافرا، وأحيانا تنعتني بالكلب القذر، وقد تبصق على ألبستي اليهودية الزي تحقيرا وإهانة، وذلك كله، لأنني أتصـــرف بــأموالي كيفما أشاء.أجل هــذا ما كنت تفعله حتـــى اليوم.حيــث يبدو أنك الآن في حــاجة ماسة إلى دراهـمي. فأراك تقصـدني لتخاطبني قائلا: شايلوك! نـريد أن نستلف مبلغا مــن المال! فأراك وأنت تلفظ هذه العبارة، وكـأنك قــد أنفقت كل ما في فمك من بصاق سبق أن بصقته على لحيتي، بعد أن سبق أن ركلتني بقدمك أمام عتبة بيتك كــما لو أنني كلب محتقر. إن المال يا سيدي هــو الذي تطلبه منــي، فمــاذا سيكون جوابي على طلبك هذا؟ أليس مـن الأفضل أن أرد عليك هكذا: وهل بوسع الكلب أن يحظى بشيء من المال؟ بل هل بــوسعه أن يقترض النــاس ثلاثة آلاف من الدوكات؟! أقول هذا أم أطأطئ رأسـي خــجلا ومذلة، وأنــا أقول لك : يــا سيدي المــنصف! لقـد بصقت على لحيتي يوم الأربـعاء المنصرم، وصـرخت في وجهي، واحتقرتنـي ونعتني بالكلب، ومن أجل هذا كله سألبي طلبك وأعطيك المال الذي تنشده، دون تأخير >>(10).!!.
وانظر عـندما يتحداه (أنطونيو)، فــلا يمكن بأي حــال مــن الأحــــوال، أن يفكــر بــأن يجعله صديقا له اليوم أو غدا لفعله هذا، فقال له دون خوف أو وجل : <<اعــتقد بأنني ســأظل أفعل هــذا دوما. فــإذا أردت أن تسلفني هذا المـال فـــلا تجعلــه كصــديق. إذ متى كــان الصديق يسلف صديقه بالفائدة، بل أسلفنـــي إيــاه كخصـم، ولكنــه سيفــي بوعده، فــإذا لــم يفعل استطعـت عندئذ أن تنتقم منه كما تشاء>>(11).هـــذا التــحدي مــن (أنطونيو)وشــجاعته ومــروءته جعــــل اليهــــــودي (شايلوك) يلطــف الجــو حتــى يوقع بــهذا الــرجل الــشريف في شركه،ويكون بذلك صيدا ثمينا، فقال له: <<لـم كل هذا الصخب؟ بل لمــاذا تستشيط غضبا؟ فأنا راغب بصداقتك، كما أود أن أتناسى تحقيـــرك أيـــاي، فأســـدي إليـــك الخدمة، وأقرضك المال دون فائدة. ورغـم ذلك فأنت لا تودّ أن تصغي إليّ كي أقدم لك خدمتي هذه>> (12).
وعندمــا يرى اليــهودي خصــمه بدأ يثق به شيئا فشيئا، ويطمئن إليه قليلا قلــيلا، بــسبب تــظاهره بــالرفق بــه، يصــل للتوّ إلى لبّ المكائد الشريرة، وكنه الدســائس الــخبيثة فــي قــالب مزح وتفكه، فانظر إلـى (شايلوك) كيف يقول بهذا الصدد : << بــل هـــو الرفـــق الذي ســأبرهنـــه إليــكم. فـــهيا سـر معي يا سيد (أنطونيو) إلى مكتب الكاتب بالعــدل، وحرر لي السند باستلامك المبلغ و بتوقيعك أنت فقط. ودعني أطلب منك عـلى سبيــــل التفكــه والمزاح أن يحتوي هـذا السند عــلى العبــارة << وإذا لــم أف بوعـدي هـــذا في اليوم والمكان المــحددين، كان قصاصي هو أن يقطع (شايلوك) من لحمي رطلا، وفي الموضع الذي يختاره من جسـدي هـــو دون سواه >> (13) .
ولما استجاب (أنطونيو) لهذا الشرط، وهو شرط دسّ فيه اليهودي السّم في العسل كمــا يقال، حــاول صديقه (بسانيو) أن يثنيه عـن ذلك، ويصرفه عن قبوله بـــهذا الشرط، ويبــعده بذلك عــن دسـائس ومــكائد هذا اليهودي الخبيث قائلا له؛ وبملء فيه: << كلا، لن توقع يا صديقي مثل هذه الوثيقة من أجلي، وخيـر لي أن أبقى معدما >> (14).
وعنــدئذ، يطمئنه صــديقه الحميم (أنطونيو) علــى هـذا الأمر، وأن يخفف مــن روعه، ولا يخشــى مما ذهب إليه، لأنــه لا ولن يحنث بوعده عـلى الإطلاق مهمـا كانت الظروف والأسباب، وهو متأكد - دون شك - على أنه خلال شـهرين فقط سيــكون في حوزته المبلغ المطلوب، بل سيكون تسعة أمثال ما يحتويه هذا السند. فيــرد اليــهودي (شايلوك) عــلى هــذا الكلام بكـل خبـث وتضليل: << آه يا أبانا إبــراهيم ! مــا لهؤلاء المسحيين يسيئون الظن بالناس! إذ ما الذي سأنتفع به من الحـصول على رطل لحم إنسان؟ لـقد قلت لك يا سيد (أنطونيو) إنني أفعل هذا من أجــل اكتســاب مودّتك لــيس إلا. فإن تتقبله فمرحبا بك، وإلا فالوداع. فرجائي ألا تسيء الظن بي هكذا >>. (15) .
وانظــر إلى صــورة اليهودي عندمـــا يثور دمــه ولحمه ضده كــما يقول (شايلوك): <<إننــي سأفعل ذلك لكـي أصطاد بذلك اللحم بعض الأسماك، إذ ليس هناك مـــن يأكلــه دون شك. غيــر أن الانتقام هو الذي سيناله. فلقد تعوّد أن يمسّ كرامتـــي مــن بعـــد أن حـــال دون اكتســابي لنصــف مــليون دوكا. كــما ســـرّ لخسارتي واستهزأ مــن ربحـــي، وأهان أمّتي، بــل لــقد كان يفسد عليّ مشاغلي، ويفرّق بيني وبين أصدقائي، ويشجــع خصومي على كراهتي أكثر فأكثر.وما ذلك كله إلا لسبب وحيد أننــي يهودي >>(16). إلــى أن يقــول صــراحة عــن الغرب المسيحي : << فلئــن كنا مثلكم فلماذا لا نكون مثلكم أيضا في أخذ الثأر؟ فإذا أقدم أحــد اليهود علــى مناوأة أحد المسيحيين، فمـا هو مقدار تحمّله إياه يا ترى؟ فليس لزاما عليــه أن يحتذي بالمسيحيين؟ أجـل سنفعل بذلك كله. ونثأر للاضطهاد الذي ألــحقتموه بنــا، والنــــذالة التــي علـــمتموها إيــانا، وسنــعاملكم بــمثل ما تعلمناه منكم>>(17).
ومــن صورة اليهودي التـلذذ حين ينتقم من خصمه، فيجد في هــذا الأنتقام نشــوة مـــا بعدهـا نشوة، فــترتاح نفسه، ويطمــئن قلبه تحــت جوائحه، وهاهــــو اليهـــودي(شايلوك)يقـــول بالحــرف الواحد عندما سمع بإفـــــلاس ذلك الرجــــل المسيحي(أنطونيو): <<فــإذا لم يسددها أنــطونيو، فإنني والله لأنـزع قلبه من بين جنبيه...>>(18).وهذه النشوة والغبطة نجدها حتى اليوم،عند كل يهودي يقتل الفلسطنيين،ويلحقون الدمار بشعبه الأبيّ.وهذا ما أسرّه بعضهم إلى زعيم تركي وفضحهم أمام العالم كله عندما كشف هذه الحقيقة للعلن بعد حربهم على قطاع (غزة).
والــحال أن الغـرب عموما، وخاصة روسيا، وألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، وإيطاليــا، وأسبانيا اضطــهدوا اليهود لقــرون طويلة مــن الزمن، بسبب مكائدهم ودسائسهم التــي لا تنتهـي حتــى بلغ السـيل الزبا كما قـال، فثــارت ثائرة النازلي الألماني أثنـــاء الحرب العالميـــة الثانيــة (هتلر)، فأحرق العدد الكثير منـهم، حتى يشــفي غليله منــهم لهذه الدسائس والمكائد ضــد ألمانيا بغيــة خدمة أعدائها الذين عرفـوا<<بالحلفاء>> وحيـــــن انتصـــر هؤلاء الحلفاء على ألمانيا النازية فكروا فـي التخلص نهائيا مـن اليهــــود مـــن أراضيهـــم درءً لمخـاطرهم علــى الغرب عموما،فرموا بهم كالكلاب المسعورة فــي المنطقة العربية، وفـي أرض فلســطين بالذات لسببين: الأول أن لا يكون هناك تواصل بين المشرق العربي ومغربه منعا للقوة والوحدة، بل وحتـى التقارب بين الشـعوب العربية. والثــاني :التخلص نهائيا من مكاند ودسائس اليـهود، ونقل هــذا المرض عند العرب. ولتحقيق هـذا المبتغى أمــدهم الــغرب بأسبــاب القـــوة والحيــــاة، فهـــذه بــريطانيا وجــدت لـهم أرضا يستقرون فيهــا، وهــي أرض فلسطيــن، التــي كــانت تـحت الانتداب البريطاني، وهــو ما عرف<<بوعد بلفور>>، وهـــذه ألمانيا تمدها من ذلك اليــــوم بالمـــال والثــروة تعــويضا لــهم لما لحق بهم بما يعرف فــي العالم <<بالهولكوست>>، وفــرنســا أمدتهم بالقنبلة النووية، وهو سلاح لايوجد إلا عند الدول الكبرى فقط ، ليــبقى التفوق لليهــود علـــــى العرب والمسلمين إلى يوم الدين. وروسيــا أمدتها بالبشر، فكــثير من اليهــود الذين اضطهــدوا لقــرون طويلة فيهــا، رحــل أغلبهم ومعظمهم إلى أرض فلسطين وخاصة وأنهم فقراء. وأمريكـا تمدها ـ وإلى الآن - بأحدث الأسلحة الفتــاكة، والصواريخ الدكاكـة، والطائــــرات الهلاكـــة، والقنابل الســفاكة، وبعبارة واحدة : أن أقــوى وأخــطر ســلاح فــي العــالم كله يوجد عند إســرائيل. فكــم من دولة قوية في العالم الــيوم تشتري السلاح من الكيان اليهودي الإسرائيلي مثل: الهند، وروسيا، وتركيا، والصين وجـورجيا، وسيرلانكا....ونحو ذلك من الدول والحكومات.
فصورة اليهودي تظهر واضحة جلية بارزة من خلال سلوكاته، وتصرفاته ومعاملاته، مع جميع الناس على وجـه الأرض، فهو يتصف بالكره الشديد لغيره، في السّر والعلانية، فهـو بذلك يلغي الآخرين، ولا يــحب إلا نفسه، فهو أنانيّ فوق اللزوم، فيفضح بذلك نفسه فــي كثير من الأحيان، فإذا وجدت ألفة ومودة بين هذا اليهودي وغيره من البــشر، فهـي تخضع أساسا لرغباته ونزواته، وتنحصر حتما فــي مصلحته وفائدته، فإذا زالت هـذه الرغــبة، أو هــذه المصـــلحة، انقلب عليك بسرعة دون مقدمات لذلك، وبسهولة دون حياء أو وجل، فهذا هو دأب اليهود إلى يومنا هــذا، والدليل عــلى ذلك مــا فعلته إسرائيل مـع تركيا، فكانت هناك وساطة ســرية تقوم بهــا الدولة التركية للــوصول إلى ســـلام دائــم وثــابت بيــن سـوريا وإسـرائيل. فوصلت هذه الوساطة إلــى مرحلة متقدمة جدا بشهادة الأتراك، إلا أن اليهودي بمجرد أن عاد من تركيا إلى إسرائيل حتى شن حربا شعواء، لا تبقى ولا تذر، وأهلكت الزرع والنسل، علــى شعب (غزة)، فنسف بــهذا السلـوك الخبيـث، وهــذا التصرف المشين، كـل المجهودات التركية، فذهبت أدراج الرياح، فغضبت لذلك تركيا كثيرا وأغتاضت، فكــانت لها صــولات وجــولات أكثر مــن مرة مـع اليهود الذين درجوا منذ القدم على نقض العهود والمواثيق، فتركيا رأت أن اليهود انقلبوا علـيها دون اعتبار، أو لبــاقة أدبية، ومــا حدث في المؤتمر الاقتصادي في (دافوس) أكبر دليل على ذلك.
وعــندما يزور الغرب بــعض القادة العــرب فـي المشرق أو في المغرب العربـــي، وخاصة عندما يتصلون بالقادة الفلسطينيين، فماذا تقول وتعلق إسرائيل بالحرف الواحد عن هذه الاتصالات الغربية، وهذه الزيارات العديدة للقادة العرب ســواء المعتدلين منهـــم أو الممانعين كــما يحلو للــبعض أن يسميهم بذلك: <<أن الغرب يبيع الوهم للفلسطينيين خاصة، وللعرب عــامة>>.
وفــعلا، ماذا قدم الغــرب للعرب مـن مؤتمر(مدريد) إلى يومنا هذا؟، فأثناء حــرب الخليج الثانية طــرح بوش الأب (مؤتمر مدريد) بشــرط أن يتحالف القادة الـعرب معه مــن أجل إسقاط النظام العـراقي، فكان له ما أراد، وعندما جاء بوش الابن إلى الحكم طـرح (خارطة الطريق) فــخرج بــوش ذلــيلا بحـــذاء الزبيدي، من الباب الضيق، فتـرك بـلاده فــي أزمة اقتصادية ومالية خـانقة أهلكت البشرية جمعاء!! فأين نحن من هذه المكائد والدسائس؟ والمؤمن الحق لا يلدغ مــن الجحر مـرتين، حــتى أن الدول التــي تسمــى بالمعتدلة أصــبحت مكشوفة لـدى الشعوب العربية والإسلامية، تخجل من نفسها عندما تقف سدا منيعا لعقد قمة عربية عاجلة بطلب مــن الغرب المسيحي، وخاصة أمريكا، التــي تأمر فتطاع، وهــذا ما حدث فعلافي حرب (غزة) على شعب غزة!!.
وعندما خرج (بوش) مـن البيت الأبيض الأمريكي، ودخــل (أوباما) إليه، فكان الأمريكيون منشغلون بهذه المناسبة في (واشنطن)، فأثناء هــذا الفراغ القليل فــي دور أمــريكا في هذه الحــرب المدمرة علــى غــزة، ذهب الغرب جميعا إلى إسرائيل، مــرورا (بشرم الشيخ)، بقيــادة فرنسا، ليطــمئنوا اليــهود عــلى أمــنهم ووجــودهم في غياب أمريكا، رغم الدمــــار الهائل والخراب المفزع الذي أحدثته الآلة الحربية الإسرائيلية على قطاع (غزة) بأبشع وأقوى وأعتى أسلحة فـي العالم المعاصر، مقابل صواريخ ضعيفة كالمفرقات، والتي قال عنها الرئيس الفلسطيني شخصيا ووصفها <<بالصواريخ العبثية>>.
فاليهود يحبون الـــمال حبّـا جـمّا مـنذ القـــدم إلـى يومـــنا هـذا، فـــــهم يسعون دائما إلى كسب المــال حــتى يكــون اليــهود أغـــنى أغنياء العالم، ومـــن هـــنا سيطـــروا فعــــلا علــى كـــل مـناحـــي الحيـــاة السيـــاسية والإعــــــلامية والتـــجارية، فتغلغلوا فــي دواليــب الحــكم عــند الغرب و العرب على السواء، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، وقيام الدولة العبرية عــلى أرض فلسطين. فالمال هو عصب الحياة كما هو معروف، يوجه اليهود مـن خـلاله كثير مــن السياسات في العالم ابتداءً مـن أمريكا و بريطانيا، مـــرورا بــألمانيا وإيطاليا وروسيا، وانتهــاءً بفرنسا و الغرب عموما. والويل كـــل الــويل لــمن يشكك فــي قضية (الهولكوست) أو يعادي السامية في أقواله قبل أفعاله!! والدليل عـلى ذلك ما حدث للسيد المسيح،وأمه مريم العذراء ،عـندما خـــرج الشارع الــغربي المسيحي مندّدا ومستنكرا مجازر (غزة)، فثارت ثائرة اليــهود على أصدقائهم، فأساءوا إلى رمــوزهم الــدينية، حيث صوروا السيد الــمسيح، ومــريم العذراء، بشكل ساخر، وكـــلمات مشينة نــابية!! والــحال أن اليهود لا يــنسون دســـــائسهم و مكــائدهم، وأصــلهم وفصـــلهم، ولا يتـــخلون عن طباعـــهم مهما حـــاولــوا إخفاء سلبياتهم هــــذه وغيرها. ولم تمـــرعلى هـــذه المهزلة، التي هـزت مشــاعر المسلمين قبل المسيحيين، لأننا نحن ــ المسلمين ــ نؤمن بجميع الرسل و الأنبياء، وعـــليه فنحن أولى بالســــيد المسيح قبل غيرنــــا، فيفــــاجئنـــا التلفـزيون الإسرائيلي بإســــاءة جديدة للإسلام و المسلمين، حـــيث تعرضــــت القنــاة العاشرة بإساءة جديدة لسيد الأنبياء الرسول محمد ــ صلى الله عليه و سلم ــ فهذه الإســاءة اليهودية للرموز الدينية في العالم كله يعد عملا مشينا يلغي حق الآخرين في الدفاع عن عقائدهم!!.
فالمسيـحي مــستهدف مـن قــــــبل اليـهود إلى يومنـــا هــــذا،والمــسـلم كـذلك، وكل دين سماوي مستهدف من قبل هؤلاء اليهود قديما وحديثا، والغرب لا يحرك ســاكنا، وخاصة الـــغرب المسيحي، لــماذا؟ لأن جـــــميع القادة الغربيين، والساسة منهم بالخصوص، وكذلك الإعلاميين، يخافون مــن بطــش اليهــود خوفا شديدا، فقد توصلوا إلى إصدار ترسانة من القوانين في الدول الغربية التي تحميهم من المسيحيين والمسلمين على حـــدّ سواء، وخاصة مــن أيّ سيــاسي أو إعلامي يكون ضد اليهود، فــــلا تتجرأ قناة واحدة فــي العالم الغربي كــله أن تنتقد جرائم اليهود في العالم وخاصة فــي فلسطين، ولا أحـــد بمقدوره أن يتحقق مــــن مسألة (الهولكوست)، فهي حقيقة لا ينكرها أحد في العالم، لكن الشك يدور حول تضخيم عدد القتلى في هذه المحرقة. عـــلما أن اليهود كـــان عددهـم فـــــي
العــالم كله وقتئذ، إحدى عشرة مليون نسمــة، فكيف يصل الرقم إلى ستة ملايين ضحية في ألمانيا وحدها. فكل المصادر التاريخية تؤكد عـــلى أن عدد اليهود في ألمانيا كلها كان لا يتجاوز المليون فقط!! فمن أين جاء هذا الرقم الهائل لليهود الذين قتلوا في ألمانيا!!.
فإذا ما حاول باحث أكاديميّ، أو إعــلاميّ أو صــــحفيّ، عن قصد، أودون قصد، أن يتطاول قليلا على (الهولوكست)، أو يعادي قليلا (السـامية) بمقياس الغرب جميعا، فما على هذا الغربي إلا طريق واحـد فقط: إما أن يعتدل أو يعتزل. أما إذا تعلق الأمر بالديانات السماويّة المقدّسة، فـــشوّهت صــورة هذه العقيدة أو تلك، أو أسيء إلى رمز من رموزها، أو نبي أو رسول، فهذا يدخل عندهم ــ ويا للعجب!! ــ في بــاب مـــن أبواب حريّة الرأي، أو الفكر، أو التعبير ونــــحو ذلك. فالإنسان السّويّ، سواء كان مسيحيا أو مسلما أو يهوديا، إذا وضع هذه العقائد السماوية في كفة، وهذه القوانين الوضعية التي تتصل (بالسامية) و(الهولكوست) في كفة، ثم نترك المحــك للاختيار الإرادي، فلا شك أن الاختيار سيكون دون تردد شرائع الله دون شرائـــع البشر، أو علـــى الأقــل تـــحترم احــتراما كـــاملا مثلما تحترم القوانيــن الوضعيـــة إذا كان هذا الشـخص لائكيــا أو ملحـــدا،أو مجوسيا، لا يـؤمن بالديانات السماويّة، حتى قال أحد الحكماء العـرب المـــسلمين مـــعلقا عـــلى هــذه الظاهرة الخــــطيرة للـــغرب: << إذا كـــان لا إكـــراه في الدين، فهل يجــوز الإكراه في الديمقراطية؟!>>.
هـذا الانطباع الـغربي لليــهود ليــس انطباعا نمطيا كما نراه الآن، بـل كان انطباعا حقيقيا، وهذا ما تراه واضـــحا كـــل الوضوح مـــن خــلال مسرحية (شكسبير) تاجر البندقيّة، فقد كان هذا الشاعر والأديب المسرحي الكبير يصفق له الجمهور الواسع تصفيقا حـارا منقطع النظير، لا مثيل لــه، ذلك أن تــاريخ الأدب العالمي والانـــجليزي يخبرنا بــأن كل مسرحيـــات (شكسبير) كـــانت ناجحة كل النجاح، استحسنــها الغرب كثيرا، وخاصــة بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وأسبانيا ونحو ذلك من الدول الغربيّة، ولا نــــجد إشارة واحدة في ذلك الوقت إلى الآن أن هذه المسرحية أو تلك “(لشكسبير) قد فشلت ولم تنــجح على ركح المسرح، سواء عـلى مستوى الشكل أو المــضمون، وخاصة مسرحيّة <<تاجر البندقية>> وغيرها من المسرحـــيات الأخرى. لهذا يمكن القول: أن الصورة النـمطية للغرب عموما، بما في ذلك أمريكا،حول اليــهود كانت صــورة قاسية ومـشينة، فيها كثير من الاستعلاء والاستخفاف مــن العنصر اليــهودي، وهــذا مــا لا نــجده الآن عند الغرب، فقد تحوّلت هذه الصورة من النقيض إلى النقيض!!.
والغريب في الأمر أن اليهود،استطاعوا إقناع بعض القادة العرب بتحويل العدو إلى صديق،والصديق إلى عدو،وهكذا ضاعت البوصلة للعرب والمسلمين في العالم على حد ..سواء،فأصبح الناس لا يفرقون بين الخير والشر،الفضيلة والرذيلة،الحق والباطل،فأصبحت بذلك إسرائيل صديقة هذه الدول العربية أو تلك،في السر والعلانية،وأصبح مع ذلك المسلم يسمع بهذا المذهب أو ذاك،وهذه الطائفة أو تلك،وهذا سنّي وهذا شيعي،فأختلط الحابل بالنابل،ومرد ذلك إلى (إسرائيل)التي تنتهج ما يعرف بسياسة(فرق تسد)،بين العرب والمسلمين!!.
فالحضور اليهودي على الساحة الدوليّة تراه قويّا دائــــما، لماذا؟ لأن كل القنوات المشهورة، والجـــــرائد المؤثرة في العالم، وخاصة عند الغرب، تعود في الأساس إلى شــركات يهوديّة في معظمها، فقد سيطــــــروا على العالم كله بالمال والإعلام، بالإضافة إلى دســـائسهم ومكائدهم الخبيثة، فكـــل بؤرة توتر في العالم على وجه الأرض تــجد الــــيهود وراء ذلك، فانظر مثــــلا ما يجري في فلسطين والعراق والسودان والجــزائر، والصـــومال، وبعض الدول الأفريقيّة، واللاتينيّة، والأسيوية.
وصفوة القول: فعلى مدى ستـــة عقود من الزمن وأكثر واليهود في العالم يكررون باستمرار قضـــيّة (الهولوكوست) وعبــارة (معاداة الساميّة)، فملّ الناس من سماع هـــذه الأسطوانة المشروخة، فهل من أسطوانة عصرية جديدة يمكن أن نسمعها من (إسرائيل) تتجاوب مـــع روح القارئ ووجدانه، وتنــــسجم مــع روح العصر، ومــع القرن الواحد والعشرين، ومع تطلعات البشريّة جمعاء في الحرية والأخوة والعدالة والمساواة.
الأستاذ:مومني عبد العالي
ثانوية بوالروايح – قالمـة -
هوامش:
ــ تاجر البندقية للشاعر الانجليزي الكبير (وليم شكسبير).
ــ منشورات دار مكتبة الحياة للطباعة والنشر ــ بيروت ــ شارع سوريا1.
ــ المرجع نفسه ، ص : 55. 2 ــ ص : 22. ــ 3) ص : . ــ 4) ص : 27. ــ 5) ص :27. ــ 6) ص :39. ــ 7) ص :39. ــ 8) ص : 37. ــ 9) ص : 46. ــ 10) ص : 30. ــ 11) ص : 30. ــ 12) ص : . ــ 13) ص : 31. ــ 14) ص : 30. ــ 15) ص : 32. ــ 16) ص : . ــ 17) ص : . ــ 18).
