مواهب وابداعات للأستاذ: مومني عبد العالي

مرحبا بجميع القراء الأوفياء

السبت، 26 يونيو 2010

إلى كل من يروِّع الآمنين في الجزائر


الجزائر بلد من البلدان العربية الإسلاميّة، ولا أحــدٌ بمقدوره أن يتطرق الشك والريبة إلى خلده، أو أن يــكون التردد سبيلا إلــى كيانه ووجدانه حول هذه المسألة منذ فجر الإسلام والبعثة المحمديّة إلى يومنا هذا. كم من الشعوب العربية تحمل في طياتها كثيرا مــن التراث الحضاري قبل البعثة، فهذه الحضـارة الفرعــونيّة، والبابليّة و الآشوريّة و الأمـازيغيّة ونحـو ذلـك من الحضارات العريقـة فـي العــراق ومصر والمغرب العربــي ناهـيك عن الــدول الإسـلاميّة، ولكن لم نسمــع من هذا أو ذاك يحـاول جاهــدا أن يعـود إلـى تلــك الأحقاب والأزمان الغابرة مهما كان توصيفها قديما وحديثا، لمـاذا؟ لأن الأمة أصبح لديها تراث عظيــم، وفـكر قويـم، وثقافة عريقــة، وحضارة راقيـة، تحققـت هـذه الإنجـازات العملاقــة، والنجاحـــات الرائعة وغيرهما في ظل الخلافة الإسـلامية قبـل سقوطـها، بلـسان عربي مبين، فلم يفلح أحد من دعـاة العودة إلــى الحــرف واللسـان الفرعوني أو البابلــي، أو الأمـازيغي، لأن في هذا الأمـر خطــورة على وجود الأمة في الأسـاس؛ إذا كانـت في يوم من الأيــام بعيـدة عن تاريخها وحضارتها التـي كتبت بأحــرف من نور، ونار، ودم، وخاصة كتاب الله عز وجـل <<القرآن الكريـم>> الذي أنزلــه الله بلســان عربي مبــين، فأنـت لا تستطــيع أن تفهم جيّدا لغة قـــــوم، وعقيدتهم، وحضارتهم، وثقافتهم، وأدبهــم، وإبداعــاتهم في جمــيع مناحي الحياة إلا إذا كنت تعرف هذه اللغة أو تلك، ولهذا قال الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ : <<من تعلم لغة قوم آمن شرهم>> أمّا الترجمة فهي تساعدك فعلا على فهم ذلك، إلا أنها تخونك في كثير من الأحيان، فيسعى المترجم إلى أخذ المعنى بعين الاعتبار دون اللفظ في الغالب، وإلا كانت الترجمة خاطئة في الأساس، ولهذا يسعى كل عالم أن يتعلم هذه اللغة أو تلك حتى يكون قريبا من فكرها ووجدانها، وأحلامها وآمالها، بل قل: جميع أسرارها، فهي وعاء الفكر واللسان والحضارة والثقافة، بل وكل تقدم في هذا المجال أو ذاك!! ولهذا حافظت الجزائر على اللسان العربي المبين ليكون شعبها قريبا من عقيدته ودينه وربّه...

والحال أن كل مسلم يجب أن يجعل في المقام الأول القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة هي الأصل في كل شيء، وأن هذا المذهب أو ذاك يأتي بعدهما وليس قبلهما كما نرى ذلك عند أشباه العلماء، وما أكثرهم في العالم العربي والإسلامي!! ألم يقل الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ في خطبة حجة الوداع : << إني تركت فيكم شيئين، إن تمسكتم بهما، لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله وسنتي...>>.

فالتمسك بالمذهب إلى درجة التعصب والتطرف، دون الأخذ بعين الاعتبار ما يتنافى والقرآن الكريم والسنة النبويّة الطاهرة، هو خطأ كبير جسيم لا يمكن الوقوع فيه!! فمثلا في القوانين الوضعية تجد أن المادة أقوى من القانون، فالقانون يستمد من المادة وهي التي تلغي القانون إذا كان هذا القانون أو ذاك يتعارض مع مادة من المواد. وقل مثل ذلك في القوانين الشرعيّة، فالمقاصد الشرعيّة الكبرى هي التي تنضوي تحتها القوانين الشرعيّة المستمدّة من مصادر التشريع الإسلامي، وكل قانون شرعي يراه المسلم يتعارض مع مقصد من هذه المقاصد فهو باطل، ولا يعتد به، لأن الخطأ وارد هنا في الاجتهاد، والمجتهد ليس معصوما من الخطإ، لذلك قال الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ : << من اجتهد وأصاب فله أجران، ومن اجتهد ولم يصب فله أجر واحد >>. ما أوسع رحمة الله بالمؤمنين الأتقياء الصالحين، يخطئون في اجتهادهم ويكافئهم الله على ذلك، لأن اجتهاده كان خالصا لوجه الله عز وجل. والمسلم الحق يقرّ بخطئه، لا أن يتمادى فيه، فهذا ليس من الإسلام في شيء!! فكم من عالم أو فقيه أو مجتهد يشرح لك هذه القضية أو تلك شرحا شافيا وافيا كافيا، ولكنه في النهاية لا يصدر حكما بذلك لماذا؟ لأنه يخشى الوقوع في الخطأ رغم أنه يدرك تمام الإدراك أن الله لا يؤاخذه عن ذلك، شأنه في ذلك شأن عباد الرحمن الذين يتصفون إلا بالصفات الحميدة، والأعمال الجليلة،ورغم ذلك يخافون عقاب الله عز وجل، ألم يقولوا في كتاب الله عز وجل في هذا الشأن: << والذين يقولون ربّنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما إنها ساءت مستقرا ومقاما >> (1) .

والمتلقي هذا الاجتهاد أو الفتوى وحده يعرف حق المعرفة ماذا فعل، وما دار في خلده من نيّات،لأن الأعمال بالنيات كما جاء في الحديث الشريف ، وعلى ضوء ذلك يستطيع أن يختار لنفسه المخرج السليم لهذا الحكم الشرعي أو ذاك، ناهيك عن المسلم الذي يدعو إلى إراقة الدماء، وزهق الأرواح الأبرياء الآمنين، ويحمل السلاح ضدهم، ويعتقد أنه بذلك يخدم الدين والإسلام والمسلمين، كلا والله إنه بذلك يخدم إلا الشيطان وأتباعه، فدم المسلم على المسلم حرام مهما كانت المبررات التي ساقها هذا العالم أو ذاك، لأن هذا الحكم الشرعي يتنافى فعلا وقولا مع مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية، فالأمير عبد القادر ــ رحمه الله ــ خاض جهادا طويلا ضد المحتل الفرنسي للجزائر، وفي الأخير ترك الجهاد ــ ولم يستسلم كما يشيع المحتل الفرنسي ــ لماذا ترك الجهاد بربكم؟ لقد تركه عندما وجد نفسه في قتال إخوانه المغاربة الذين شجعهم العدو الفرنسي على محاربة الأمير عبد القادر مقابل عدم احتلال بلادهم ،اقرأ ما كتب على قبره عند وفاته في سوريا لتتأكد من هذه الحقيقة، ولكن هيهات فالعدو يتصف بالغدر دائما، فلما أحتل الجزائر، ثنى على المغرب!! فالأمير ــ رحمه الله ــ غلب المقصد على القانون الشرعي، وهذا هو الإسلام الحق. وهذا الأمر في حفظ النفس ينسحب أيضا على حفظ المال للمسلمين الآمنين، فالغنائم في الإسلام لا تعني بأي حال من الأحوال سلب أموال المسلمين، مهما كانت الأعذار و الأسباب، لأن هذا الأمر أيضا يخالف فعلا وقولا مقصدا من مقاصد الشريعة الإسلاميّة، فمادام الأصل أقوى من الفرع، وهو الذي يلغيه إذا تعارض معه، فلا بدّ من العودة إلى جادة الصواب،و الابتعاد عن الخطأ، فهو وارد في الإسلام، وأحسن الخطائين التوابون، لكن لا ينبغي أن يغلب المسلم الحق الفرع على الأصل، فالمذهب أقل شأنا من القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، ومن يرى حكما شرعيا في هذا المذهب أو ذاك يخالف نصا صريحا في القرآن و السنة، فعلى المسلم الحق أن يبتعد عن هذا الحكم، ومن يجعل المذهب أوّلا، والقرآن والحديث ثانيا، فهو مخطئ كل الخطأ في معتقده، وعليه أن يعود فورا إلى جادة الصواب. ورحمة الله واسعة تسع كل شيء، وهنا تحضرني حادثة وقعت في حضرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وفي مسجد من مساجد المسلمين، وفحوى الحادثة أن رجلا أعرابيا دخل المسجد، وأقام الصلاة مع المسلمين وراء الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ثم انزوى في ركن من أركان المسجد وتبوّل- أكرمكم الله- ، فلم يعرف الرجل حينئذ أن للمسجد في الإسلام قدسيته الخاصة، فثار الحضور جميعا في وجه، فهذا يقول له كلمة، وذاك يقول أخرى، وكل واحد من هذا الجمع الغفير يواجه رجلا واحدا، ومسلما واحدا، وأخا واحدا، فلم يجد أحدا من ينصره ويأخذ بيده إلا محمدا صلى الله عليه وسلم، الذي خاطبه الله عز وجل قائلا: << بالمؤمنين رؤوف رحيم >>. فلما رأى ذلك قال لهم: دعوه. ثم ناداه، ووقف بين يديه، وشرح له الأمر، فعرف الرجل الحقيقة لأول مرّة في حياته، ولم يقم بهذا الفعل عن قصد بل عن جهل، فقيل: أن الرجل حين هم بالخروج من المسجد قال قولته المشهورة: << اللهم أرحمني ومحمدا، ولا تشرك بنا أحدا >> وقيل أيضا: أن الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ عندما سمعه يقول ذلك، وهو ينصرف ، قال له في ما معناه: لقد ضيّقتها يا رجل، فرحمة الله واسعة تسع كل شيء!! >>. فما أجلك يا رسول الله وأعظمك وأرحمك بالمؤمنين، صائبهم ومخطئهم، لك منا الدعاء وطلب المغفرة يا حبيب الله، يا رسول الله. الرحمة الرحمة، اتقوا الله في أنفسكم أولا وفي الجزائر ثانيا، هذه النفس الأمارة بالسوء هي التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه من تشرذم وعداوة، عودوا إلى أحضان مجتمعكم الذي لا يكن الضغينة نحوكم رغم ما عناه من مآس وويلات يندى لها الجبين، فكم من أرواح أزهقت، ونساءِ رمّلت، وأطفال يتمت، وبيوت خربت، وأموال أستبيحت... والله لن تجدوا نظاما أرحم من نظامكم، ولا مجتمعا مثل مجتمعكم، والدليل على ذلك أنظروا فقط إلى جيرانكم ماذا يحدث لهذا التيار أو ذاك، وهذا الشخص أو ذاك، فلا أحد يستطيع مع ذلك أن ينبس بكلمة واحدة، فكم من جماعة دخلت بلادنا وزرعت فيها الخراب والدمار والفساد في الأرض، وهي لا تستطيع أن تطلق رصاصة واحدة في بلدها الأصلي رغم ما يحدث هناك من تجاوزات خطيرة!! لأنهم فعلا أدرى وأعلم منا ماذا يحدث لهم ويجري لو فعلوا ذلك في هذا القطر أو ذاك!!

والله لن تجدوا شعبا أرحم من شعبكم، فهو دائما في انتظار عودتهم إلى جادة الصواب، ولا أحد منهم يطالب بالثأر لشقيقة، أو أبيه، أو خاله، أو عمه، هؤلاء وغيرهم الذين راحوا ضحية الغدر و القتل في كمين أو تفجير، أو في حاجز مزيف ونحو ذلك من طرق القتل والتقتيل!!

والله لست من النظام، ولا أدافع عنه، فهو قادر للدفاع عن نفسه ووجوده وكيانه، بل أنا مواطن عاد، لا حول لي ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فقد عشت حياة قاسية يندى لها الجبين، وتقشعر لها الأبدان المؤمنة، يكفي أن أقول فقط: أنني عشت تحت الأرض كالأموات سنينا طويلة، ولم أقل في يوم من الأيام<< آه >> فحبي لوطني جعلني أضحي بكل شيء من أجل عزته وكرامته، واستقراره وأمنه ،وتطوره وازدهاره في جميع مناحي الحياة، ولأني أعرف حق المعرفة أن أعداء الأمة ــ وما أكثر في العالم ــ لا يصغون ولا يستمعون إلا لصوت القوة لا الضعف، والعلم لا الجهل، والاستقرار لا الفوضى، والسلم لا الحرب، لأن الحق عندهم ليس مرتبطا بالإيمان كما جاء في القرآن، بل بالقوة والقوة فقط. فنحن في هذا العالم في غابة، القوي فيها يأكل الضعيف، ولهذا خاطب الله المسلمين والحكام قائلا: << واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمون الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون>> (2) .وفي الوقت نفسه علينا أن نعرف الغرب عامة، والأعداء خاصة ، أن الإسلام يقول:فمن قتل نفسا في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا .

والله لم أصرف مليما واحدا من العملة الصعبة في حياتي كلها، اعتقادا مني بأن الجزائر في حاجة ماسة إليها لصالح البلاد والعباد.وفي المقابل أنظر إلى بعض الجزائريين، على اختلاف أعمارهم وماضيهم، كيف يبذرون العملة الصعبة في كل عام ، بمناسبة ودون مناسبة،بل أن الأوزان الثقيلة- كما يحلو لبض تسميتهم- لا يثقون في الطبيب الجزائري، ولا في العيادات الجزائرية – فتراهم في المستوصفات الفرنسية بالخصوص، فرنسا التي كانت بالأمس القريب أكبر عدو للشعب الجزائري ،يدخلون ويذهبون إليها للاستشفاء من هذا المرض أو ذاك ،وأبناءهم وحاشيتهم ،ويحجون إليها ،فتتأثر بذلك خزينة الدولة، ولا يفكرون في مصير البلاد والعباد بل في صحتهم ومصلحتهم الخاصة أولا وأخيرا. لست من هذا الصنف من الرجال ،ولن أكون كذلك بإذن الله حتى الممات .ولن أزور فرنسا على الإطلاق ،لأن الجرح عميق ما زال لم يندمل بعد لهذا الجيل الذي أنتمي إليه،فوالدي – رحمه الله – استشهد من أجل الوطن والدين ،ولا أعرف قبره إلى الآن، فكيف يحلو لي أن أزور فرنسا؟!،إذا قدر إلى ابني أن يزورها في وقت من الأوقات، فهو حر،لأن المسألة مختلفة، أما أولئك الذين حاربوا فرنسا، ونراهم الآن يلهثون وراءها، تحت ذرائع واهية ضعيفة لا تثبت إطلاقا أمام الحقائق التاريخية، وهم في الحقيقة مجرد دمى وبيادق في يد الاحتلال،لا شك أنهم تعرضوا إلى الاستلاب الفكري والثقافي والحضاري ،وكذلك الابتعاد عن الانتماء الوطني ،ولا يشعرون بذلك على الإطلاق ،فالبعير لا يرى سنامه، بل يرى فقط سنام غيره كما يقول الجزائريون ،والحديث قياس كما يقال! أما الباقي من أمثالي من الشعب الجزائري فيروهم سذجا ،لأنهم يتغنون بالوطنية،ويعملون من أجل بلادهم بإخلاص،والآخرون ينهبون خيراتها وثرواتها ،وعندما يضمنون مستقبلهم ،ومستقبل أحفادهم، كما أكد ذلك أحد الرؤساء الجزائريين السابقين ، لا يجدون مكانا يستقرون فيه إلا في الخارج وخاصة عند الغرب ، وفرنسا بالذات. فالجزائري الحر، المحب لدينه ووطنه، يعمل دائما وأبدا من أجل بلاده ،وليس من أولئك في شيء ،ولن يكون مثلهم على الإطلاق في زمن من الأزمان! وهي فئة –والحمد لله- قليلة في بلادنا،فلم تقدم شيئا للأمة إلا الريح في الشباك- كما يقول الجزائريون- فهي تعد جملة اعتراضية – لا محل لها من الإعراب- في تاريخ هذه الأمة المجيدة.

فلنقف في وجه أعداء الأمة من المحيط إلى الخليج كالجسد الواحد، وخاصة العدو الإسرائيلي الذي يصول ويجول في الأرض فسادا ولم يجد ندا له لضعف العرب والمسلمين، ألم يقل أبو الطيب المتبني عن سيف الدولة الحمداني:

ولست مليكا هازما لنظيره ولكنك التوحيد للشرك هازم

فلا ينبغي للمسلم الحق أن يقابل الخطأ بالخطإ، والسيئة بالسيئة، والظلم بالظلم، والقتل بالقتل، والثأر بالثأر، فهذه وغيرها ليست من صفات المسلم على الإطلاق، ألم تقرأ قوله عز وجل(إنما المؤمنون إخوة) أولم يقل عز وجل للمسلمين كافة(واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) فلماذا هذه العداوة بين المسلمين والتفرقة؟!أنسيت أو تناسيت الخطاب الرباني الذي وجهه لأحسن خلق الله في قوله تعالى:(لو كنت فضا غليظ القلب لا نفضوا من حولك) ألم يسمع الأوس والخزرج لنبيهم الكريم ويطيعوه بعدما خرج إليهم ووعظهم وأصلح بينهم ،حين تفاخروا وتنازعوا ووثبوا للقتال بسبب مكيدة من مكائد اليهود:(وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله،وفيكم رسوله،ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم)(3) .

فلنخز الشيطان الذي يريد الإيقاع بنا، ونلعنه صباح مساء، في غداتنا ورواحنا، وفي كل حين من حياتنا، حتى نلقى الله على قوة إيماننا، فالحق في الإسلام ليست مرتبطا بالمادة والقوة والجاه والسلطان، بل بالإيمان.

ألم تسمعوا وتدركوا أن في الثكنات العسكرية في بلادنا فيها مساجد يذكر فيها اسم الله، وأن الجندي والضابط والمسؤول على اختلاف مراتبهم، يؤدي الصلاة، ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويصوم رمضان، ويؤدي الحج إن استطاع إلى ذلك سبيلا.

هناك رجال مسلمون في أعماق أفريقيا وأدغالها بنوا أكثر من خمسة آلف وسبعمائة بيت من بيوت الله، يذكر فيها اسم الله، وأدخلوا طوعا أكثر من ثمانية ونصف مليون أفريقي إلى الإسلام، وحسن إسلامهم، وفي المقابل ماذا قدم الضالون من أشباه الرجال وإنصاف العلماء لبلادهم أولا، وبلاد الإسلام ثانيا؟! فلم نر من هؤلاء إلا القتل والعنف، والتفجير، وزهق الأرواح، حتى قال عنهم أحد الحكماء المسلمين الأتقياء الصالحين: << لو كان العنف والقتال في الجزائر خدمة لدين الله لما سيبقى إليه أحد >>.

إذا قال أحدكم: إن الظلم والاستبداد دفعني إلى هذا الطريق. فأجيبه دون تردد: هل أنت تعرضت للمعاناة أكثر مما عاناه محمد ــ صلى الله عليه وسلم ــ مع قومه قبل غيرهم من الناس؟! وهل انتقم من خصومه بعد ذلك؟!

عودوا إلى رشدكم يهديكم الله، ولا تجعلوا الأشقاء والأصدقاء قبل الأعداء والخصوم لبلادكم يضحكون علينا، ويقولون مع أنفسهم: أنكم تحررتم من الاحتلال الفرنسي البغيض تحت راية << الله أكبر >> فكان جهادا مريرا، ونضالا طويلا، وكفاحا مجيدا، ولكنكم بعد الاستقلال لم تطيقوا بعضكم بعض بسبب التكالب على بهرجة الدنيا وملذاتها من مال وجاه وسلطان، هل يجوز الجهاد في دار الإسلام ضد المسلمين حتى لو كان الحاكم ظالما؟! وتسفك دماء الأبرياء، وخطف الأجانب، وترويع الجزائريين الآمنين في بلادهم، فليس لهم بلد آخر غير الجزائر، والله إنها الفتنة الكبرى في الجزائر،إلعنوا الشيطان ليل نهار،واخزوه في كل حين، فالخروج عن طاعة الحاكم حرام مهما كانت اجتهادات أشباه الرجال وأنصاف العلماء، ندعوا الله لكم، ولنا، ولكافة المؤمنين الصالحين أن تزول الغشاوة عن أعينكم، فتظهر لكم الحقيقة الربانية ناصعة واضحة جلية ليس فيها لبس أو غموض، فالحنق كثيرا ما يعمي الأبصار، والأعداء دائما يشعلون النار، والحاسد يتطرق في الغالب إلى خلده الفرح والسرور لهذه الفتنة بين المسلمين، والواشي لا يتوقف عن سعيه ليل نهار. إياكم والفتنة، إنها تنتشر مثل النار في الهشيم. وانظروا إلى عدو المسلمين كيف يعدّ العدّة الكافية لصولات وجولات قادمة في المنطقة العربيّة والإسلامية، وخاصة من أرض فلسطين الجريحة المغتصبة، فلم يعد هناك عربي مسلم قادر على الوقوف في وجه هذا العدو المبين إلا دولتين مسلمتين هما: تركيا وإيران، وأين العرب من هؤلاء المسلمين؟! إنهم منشغلون بمعارك هامشية أضعفتهم وأنهكتهم، يتمسكون بالقشور، ويتركون اللب، والفروع ويتركون الأصول، والمذاهب ويبتعدون عن كلام الله وسنة رسوله؟!

تعلمت الصبر على الظلم والظالمين عن كتاب الله وسيرة المصطفى ــ صلى الله عليه وسلم ــ ، وسعة الصدر، والتفاؤل بالخير، والثواب والمغفرة، ومكارم الأخلاق، والفضائل ونحو ذلك، فلا أجد كتابا مفتوحا أقرأ فيه الخير والثواب إلا كتاب الله وسيرة محمد ــ صلى الله عليه وسلم ــ في معاملاته مع الناس وأهله وجيرانه وقومه وشعبه ومجتمعه، لأن الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ يقول : << الدين المعاملة >>.

فأنزلوا من الجبال، واخرجوا من السهول والأدغال، وعودوا إلى أحضان أمتكم التي هي في حاجة ماسة إلى جميع أبنائها، وهلوا لنبني الوطن لنغيض به أعداء هذه الأمة، وبذلك يرفعكم الله درجات في الدنيا والآخرة، ويجعلكم، وجميع المؤمنين، تتبوءون المنازل الرفيعة، والدرجات السامية، لتبصركم لما يحاك في الخفاء لهذه الأمة، لتضعف هي، ويقوى أعداؤها!!

فالجزائر ليست أمّا عاقرا، ولن تكون كذلك إلى يوم الدين إن شاء الله، فكما أنجبت الأمير عبد القادر، والشيخ المقراني، والشيخ بوعمامة، ولا لا فاطمة نسومر، والعلامة ابن باديس، والشيخ البشير الإبراهيمي، والعربي اتبسي،ومبارك الميلي، وابن بولعيد، والعربي بن مهيدي، والقائد عميروش، والعقيد لطفي،والشاب محمد شعباني،وأحمد زبانا،وسويداني بوجمعة،وبلوزداد،وسي الحواس،وديدوش مراد، وأحمد رضا حوحو، والقائمة طويلة، تعدّ بعشرات المائات من رجال الجزائر الصناديد، والأبطال المغاوير، يملؤون الفم والعين عند الأشقاء والأصدقاء والأعداء على السواء، فكما أنجبت الجزائر هؤلاء الأشاوس الأبطال وأمثالهم، فستلد الآن وغدا الكثير من أمثال هؤلاء العظماء. وما أدراك ما هؤلاء العظماء!! ، إنهم لم يحملوا السلاح أو القلم ضد أبناء جلدتهم، بل ضد الغزاة المحتلين لبلادهم.

الله الله على الحرة الجزائرية، فلا تلد إلا الرجال الصالحين الأتقياء المؤمنين، وهاهي في التعليم تشق طريقها بثبات ووعي ودراية أحسن من أي شخص آخر،وخاصة في الجامعة التي تجد فيها نسبة الإناث أكثر من نسبة الذكور لوعيها وإدراكها أن العلم فريضة ونور،والجهل غول التعاسة والضلالة ،ألم يقل الله عز وجل في كتابه العزيز:(قل:هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون،إنما يتذكر أولوا الألباب ).

أولم يقل شاعر النيل حافظ إبراهيم:-

الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق

فحب الوطن من الإيمان،وأنا أحب الجزائر حتى النخاع،ولا أحيد عنه قيد أنملة مهما كان ظلم الظالمين،وبغي الباغين،ومزاعم الحاسدين،فأنا أعرف حق المعرفة قول الشاعر العربي الأصيل:-

بلادي وإن جارت علي عزيزة وأهلي وإن ضنوا علي كرام

وأردد دائما وأبدا مع العلامة ابن باديس- رحمه الله- :

فإذا هلكت فصيحتي لتحيا الجزائر والعرب.

الأستاذ:مومني عبد العالي

ثانوية بوالروايح- قالمة-